باريس ــ بسّام الطيارةأثار التراجع الفرنسي عن المشاركة بفاعلية في القوة الدولية المزمع نشرها في لبنان انتقادات اوروبية، رأت أن “فرنسا تراجعت أمام مهمة السلام” في لبنان، وهو ما شكل رافعة لمجموعة من ردات الفعل في الأوساط الداخلية وفي صفوف المعارضة.وكانت ردات الفعل الداخلية لمجمل القوى السياسية الفرنسية خلال العدوان على لبنان مرّت بثلاث مراحل تستند إلى ثلاث محطات أساسية: أولها مجزرة قانا، التي تفصل بين مرحلتين؛ مرحلة القتال الأولى التي تناولتها الساحة الفرنسية تحت عنوان “ردة فعل إسرائيل المفرطة” مع التمسك بحق تل أبيب في الدفاع عن نفسها. وخلال هذه الفترة كان يوجد في فرنسا نوع من التوافق الضمني على أن الأمر لا يتعدى “القتال الدائم في منطقة الشرق الأوسط التي لا تعرف الهدوء”.
أما بعد مجزرة قانا وهول ما شاهده الرأي العام الفرنسي على صفحات الإعلام، وردات الفعل المنددة، فبدأت المواقف تتجه نحو نوع من الاصطفاف وراء مطالبة الديبلوماسية الفرنسية بوقف إطلاق النار، وخفتت الأصوات المؤيدة لإسرائيل بانتظار مرور العاصفة الإعلامية. وخلال هذه الفترة ارتفعت نسبة مؤيدي الطاقم الحاكم، وخصوصاً الرئيس الفرنسي جاك شيراك في الرأي العام بعدما سلطت الأضواء الإعلامية على دوره في “المبارزة الفرنسية الأميركية” ووقوفه في وجه الديبلوماسية الأميركية بحيث بدا أنه “لا حل من دون موافقة فرنسا”، وهذا ما شحذ الشوفينية الفرنسية وصبّها في خانة تأييد شيراك.
أما المرحلة الثالثة فقد انطلقت مع قرار مجلس الأمن الرقم 1701 وبدء الحديث عن إرسال قوات فرنسية إلى لبنان. وخلال أيام قليلة خرجت التعليقات من حقل السياسة الخارجية وغاصت في الشأن الداخلي، على اعتبار أن فرنسا على أبواب الدخول في “مغامرة خارجية في المستنقع اللبناني” على حد قول أحد المعلقين السياسيين. غير أن هذه المرحلة لم تدم طويلاً، وشكل إعلان شيراك الاكتفاء بإرسال ٢٠٠ جندي “من التقنيين” نوعاً من “حمام مياه باردة” للمتحمسين لدفع فرنسا لأداء دور في الشرق الأوسط، وفرصة من ذهب للمنتظرين لأي مناسبة لانتقاد شيراك.
فالقوى السياسية الفرنسية الموجودة في صف المعارضة، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي، تريد أن ترى في عزوف فرنسا عن المشاركة في القوات الدولية علامة “تردد وقلة حزم” لدى شيراك في إدارة الأزمات على الساحة الدولية. وكان السكرتير الأول للحزب فرانسوا هولاند حتى الأمس القريب يدعم خط الحكومة والديبلوماسية الفرنسية.
ومن المفارقة أن عدداً لا بأس به من أقطاب الحزب الحاكم المقربين من وزير الداخلية نيكولا ساركوزي يشددون في أحاديثهم الخاصة على صفة “التردد” هذه للتلميح إلى تراجع قدرة شيراك على اتخاذ القرارات الحازمة.
وعلى المستوى الرسمي (أ ف ب، رويترز، أ ب، يو بي آي)، دافعت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشيل اليو ماري عن قرار المساهمة بمئتي جندي اضافي فقط في القوة الدولية. وقالت اليو ماري، لإذاعة “ار.تي.ال”: “لا استطيع السماح بالأقاويل أو التلميحات بأن فرنسا لا تؤدي واجبها في الأزمة اللبنانية”. وأضافت أن “المشاكل التي واجهت مهمات حفظ السلام في الآونة الأخيرة تعني أن فرنسا تريد الاطلاع على تفاصيل خطة الانتشار أولاً قبل إرسال المزيد من الجنود”.
وأوضحت اليو ماري، المقربة من شيراك، “لا يمكن ارسال الرجال إلى هناك والقول لهم: راقبوا ما يحدث لكن ليس لديكم الحق في الدفاع عن انفسكم او اطلاق النار”. وتابعت “أود أن اذكركم بتجارب العمليات المؤلمة التي لم يكن لقوات الامم المتحدة فيها تفويض محدد أو سبل للتحرك”.