غزة ــ «الأخبار»
«حكومة فاشلة ورئاسة أفشل». بهذه العبارة اختصر الموظفون في السلطة الفلسطينية توصيف الحال التي وصلوا إليها، بعد نحو خمسة أشهر على تأليف حكومة حركة المقاومة الإسلامية (حماس). واتهم الموظفون مؤسستي الرئاسة والحكومة بأنهما تعتمدان على ما وصفوه بـ«العلاج المسكّن» للأزمة الخانقة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية نتيجة وقف المساعدات المالية عن الشعب الفلسطيني.
ويرى الموظفون، الذين يؤلفون شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني، ويقدر عددهم بنحو 170 ألف موظف في السلكين المدني والعسكري، أنهم تعاملوا بحس وطني عال إزاء أزمة الرواتب. إلا أن أحد هؤلاء الموظفين استعار مطلع أغنية أم كلثوم، وقال «إنما للصبر حدود». وأضاف الموظف أحمد حمودة «لم نعد نمتلك صبراً إضافياً، وعلى الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم وإلا فليذهبوا إلى بيوتهم».
وكان حمودة (44 عاماً)، وهو موظف في التوجيه السياسي والمعنوي، واحداً من بين مئات الموظفين الذين تظاهروا أمام المصارف في قطاع غزة، احتجاجاً على حسم بعض المصارف العاملة في الأراضي الفلسطينية نسبة من السلف المالية للموظفين الذين استفادوا من القروض المصرفية.
ويعيل حمودة أربعة أبناء جميعهم في مراحل دراسية مختلفة، ويقول «خرجت من المنزل في الصباح وجميعهم في انتظار عودتي بالراتب كي أشتري لهم مستلزمات العام الدراسي الجديد». وكانت المفاجأة عندما وجدت رصيدي 900 شيكل فقط من أصل راتبي الشهري الإجمالي 2200 شيكل». وأضاف أن «الحكومة والرئاسة لا تراعيان موسم المدارس، وشهر رمضان على الأبواب، وتستمران في نظام السلف المالية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع. والمصارف زادت من آلامنا ومعاناتنا وحسمت نسبة القروض».
المئات من أمثال حمودة تظاهروا أمام فروع المصارف في غزة، عندما تفاجأوا باقتطاع جزء من السلف المالية نظير القروض المصرفية التي حصلوا عليها سابقاً، وامتنعت المصارف ذاتها عن اقتطاعها خلال الأشهر الماضية مراعاة للأوضاع الصعبة للموظفين.
مروان الحج (28 عاماً) موظف آخر كان يقف إلى جانب حمودة في التظاهرة الاحتجاجية أمام فرع البنك العربي في حي الرمال في مدينة غزة، قال لـ«الأخبار» إن «البنك وضع ملحاً على جرحنا النازف».
وفيما لم ينكر الحج حق المصرف في استرداد قيمة القروض المالية المستحقة على الموظفين، قال «عليها (المصارف) مراعاة الأزمة الخانقة التي نعاني منها، وانتظار انفراجها ومن ثمّ سنبادر بأنفسنا لسداد القروض المستحقة».ومع تصاعد حدة الاحتجاجات من الموظفين وفشل الشرطة الفلسطينية في تفريقهم، وجدت إدارات هذه المصارف نفسها مضطرة إلى التراجع عن قرارها، وتأجيل عملية حسم النسبة المالية. وقال مدير فرع بنك الأردن في مدينة غزة إبراهيم بلل إن «الإدارة الإقليمية للبنك اضطرت حفاظاً على سلامة الموظفين إلى التراجع عن حسم نسبة القروض من السلف المالية للموظفين».
وتعيش السلطة الفلسطينية تحت وطأة حصار قاس منذ وصول «حماس» إلى رئاسة الحكومة. ولم يمنح المجتمع الدولي «حماس» فرصة لالتقاط الأنفاس، وفرض عليها الشروط التي وجدت نفسها غير قادرة على تلبيتها، ووصفتها بـ«المجحفة»، وهي الاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات الدولية، ونبذ العنف (المقاومة).
ووسط حدة الأزمة المالية الخانقة اعتمدت الحكومة نظام السلف المالية للموظفين، بحيث يتم منح كل موظف نصف قيمة راتبه الشهري بالتعاون مع مؤسسة الرئاسة، علماً بأن القيمة الإجمالية الشهرية للرواتب تقدر بنحو 116 مليون دولار أميركي.