strong>يسقط الشهداء في لبنان وفلسطين والعراق على أيدي الإرهاب الإسرائيلي ــ الأميركي. وفي مصر يسقط أيضاً الشهداء... لكن على أيدي الفساد
القاهرة ــ «الأخبار»

السابعة والنصف من صباح أمس كانت مصر على موعد مع كارثة جديدة من كوارث الإهمال والفساد في حق الشعب المصري، بلغت حصيلتها غير النهائية 62 قتيلاً و144 جريحاً.
القطار 808 الآتي من مدينة المنصورة (على بعد 120 كيلومتراً من القاهرة) يصطدم بالقطار رقم 343 الآتي من بنها (على بعد 40 كيلومتراً شمالاً). كان ينتظر على محطة قليوب (على بعد 20 كيلومتراً شمالاً)، ليصنع «عجينة اللحم والحديد» المجبولة بالفقر والفساد المستشري في أنظمة السكك الحديد في مصر.
حكايات بعض شهود العيان أشارت إلى أن سائق قطار المنصورة كان «بطلاً» لانه لم يستخدم «الفرملة» ليوقف القطار مرة واحدة، بل فضَّل التصادم بدلاً من انقلاب العربات بسبب «الفرملة». الحكايات الأخرى تؤكد أن السائق كان نائماً ولم يلحظ إشارات التحذير الضوئية بوقوف قطار فى محطة ينتظر إصلاح المحركات، ودخل المحطة بأقصى سرعته (120 كيلومتراً في الساعة).
الحكايات الأولية ليست كافية، فالحقيقة ستظهر بعد تحليل شريط تسجيل الإشارات (المشابه للصندوق الأسود).
لكن هذا ليس كل ما في الأمر، فالكلام الآن ليس عن خطأ شخصي من السائق أو عامل التحويلة، بل عن نظام السكك الحديد فى مصر، التي اقتربت حوادثها من حدود الكوارث الطبيعية. لم يكن آخرها مآساة حريق قطار الصعيد في عام 2002 الذي راح ضحيته ما يقرب من 460 راكباً كانوا في طريقهم لقضاء عطلة عيد الاضحى مع عائلاتهم فى جنوب مصر.
قطار الصعيد كان درجة ثالثة، وكذلك قطارا قليوب اللذان كانا يحملان موظفين صغاراً ورجال شرطة فى رحلات يومية، إما للعمل في العاصمة أو لقضاء مهمة عاجلة هناك.
هؤلاء هم زبائن «قطارات الغلابة» التي تتكدس فيها اعداد كبيرة تتزاحم على الأبواب وفي الطرقات وسط عربات متهالكة انتهت صلاحيتها منذ فترة طويلة كما قال الذين شاهدوا العمليات المؤلمة لإخراج الجثث من بين حديد العربات التي تهشمت تماماً وأصبحت مثل علب الكرتون أو لعب الأطفال الضعيفة.
بعض الجثث «طارت» إلى الطريق الزراعى بين القاهرة والدلتا وعلى مشارف أبنية شارك سكانها فى عمليات الإنقاذ قبل وصول عربات الاسعاف والدفاع المدني والجيش.
احاطت سيارات الامن المركزي بمكان الحادث وبالمستشفيات تحسباً لغضب أهالي الضحايا كما هى الحالة في مثل هذه الكوارث التي يتأكد الناس أنها نتيجة إهمال أو فساد أو معاملة عنصرية للفقراء، الضحايا الدائمين لنوع كهذا من الحوادث.
وصل وزير النقل محمد منصور بطائرته الخاصة آتياً من سفاجا حيث كان يشرف على حلّ مشكلة المسافرين لأداء العمرة والمتكدسين فى الميناء، بعدما عطلت القرارات الإدارية حركة العبارات واضطرت الوزارة الى الاستعانة من جديد بواحدة من عبارات «شركة السلام» التي سببت كارثة العبارة الشهيرة فى آذار الماضي.
اعترف الوزير فى موقع الحدث بأن «السكك الحديد في مصر تحتاج الى اصلاح شامل وسيحتاج هذا الأمر الى 24 شهراً».
كانت خطة تطوير مماثلة قد أعلنت فى اعقاب كارثة قطار الصعيد، لكنها دخلت «مخزن الأحلام» واقتصر التحديث والتطوير على القطارات الفاخرة.
المثير أن الحادث كان مناسبة للاستغلال السياسي، حيث وقف نائب «الإخوان المسلمين» وسط موقع الحادث مهاجماً حكومة «الحزب الوطني»، فخرج نائب «الوطني» قائلاً إنه، وزملاءه، «كانوا الاسبق الى مكان الحادث وهم الذين سارعوا الى انتشال الجثث والمصابين في وقت كان الإخوان غارقين فى النوم».
وهنا اشتعلت معركة بالأيدي والعصي بين «الاخوان» والحزب الحاكم قريباً من رائحة الدم والنار التى احرقت الحديد المتهـــــــالك لقطار الاحلام الفقيرة.