قرية عبسان الكبيرة (خانيونس) ــ «الأخبار»
في قرية «عبسان الكبيرة» الهادئة، بشوارعها الواسعة، تستعر حرب أهلية محدودة بين أنصار محمد دحلان، أحد أركان السلطة الفلسطينية، والقوة التنفيذية المنوط بها حفظ الأمن والنظام التابعة لوزارة الداخلية. وتؤلّف القرية بؤرة توتر دائمة، قد تمتد إلى مناطق أخرى، إذا تدهورت العلاقات المتوترة بين أكبر فصيلين فلسطينيين، حركة «فتح» و«حركة المقاومة الإسلامية» (حماس). وراح ضحية الاشتباكات بين الجانبين منذ كانون الثاني، عقب الانتخابات التشريعية، نحو عشرة أشخاص وعشرات الجرحى. بدأت الاشتباكات بعد أيام من فوز «حماس»، إثر رفض أنصار دحلان نتائج الانتخابات، لكنها استمرت بسبب «استفحال» العداء بين المسلحين من الجانبين، وتوالت بعد ذلك عمليات الانتقام المتبادلة.
آخر حادث راح ضحيته الطفل سليمان أبو النصر (13 عاماً) في 16 آب الجاري. وخلال حديث لـ «الأخبار»، بكت أمه فتحية أبو النصر (49 عاماً) بحرارة وأبكت زوجها والحاضرين، فالجرح لم يندمل بعد، لمقتل طفلها برصاصة طائشة خلال أحد الاشتباكات المسلحة. قالت: «عقلي يكاد يتوقف عن التفكير، فبأي ذنب قتلوه؟».
سليمان كان متوجهاً من منزله إلى منزل جدته المجاور، الذي لا يبعد سوى مئة متر تقريباً. لم يكن قد ابتعد كثيراً، عندما تعالى صوت الرصاص. اعتقد كثيرون أن قوات الاحتلال اجتاحت المنطقة الحدودية كالعادة، لكن فتحية كان احساسها مختلفاً. خفق قلب الأم بين ضلوعها، فخرجت مسرعة من المنزل لتجد ابنها محمولاً على الأكتاف ومضرجاً بدمائه. نقل إلى المستشفى العسكري، وسمعت أمه آخر كلماته على سرير الشفاء «يما يا حبيبتي» ولفظ بعدها أنفاسه الأخيرة. يتساءل شقيقه محمد (7 أعوام) بحرقة «أين سليمان ومتى سيرجع؟». لا تكترث فتحية كثيراً لحديث السياسيين عن تأليف حكومة وحدة وطنية قد تنهي مخاوف اندلاع حرب أهلية. لكنها، مثل كثيرين، ترى أن الشعب الفلسطيني هو الضحية. وتلقي على الحركتين مسؤولية التدهور الحالي: «لماذا يقتل ابني من أجل مصالح حزبية».
زوجها يونس(52 عاماً) يخشى أن تتطور الاحتكاكات الحالية إلى حرب أهلية «تأكل الأخضر واليابس». ويرى أنه «صراع المناصب والكراسي».
ويصف يونس، ذو الميول الواضحة لحركة «فتح»، الوضع الراهن بأنه «خطير جداً». يقول «لقد فقدت ابني الذي أتذكّره مع كل نبضة قلب، ولا أتمنى ألم الفراق لغيري، لذلك على الجميع التضحية من أجل سلامة المجتمع». كان لمقتل سليمان أثر كبير على زميله نصر، الذي أصبح يرتعب من صوت الرصاص. يقول «الطخ (اطلاق النار) لازم يكون على اليهود مش (ليس) على بعضنا».
عائلة سليمان لم تقم عزاء، وفقاً للعادات والتقاليد السائدة في المنطقة، لأن القاتل لا يزال مجهولاً وإن انحصر بين حركتي «فتح» و«حماس»، لكن الأب يقول إن العزاء سيفتح إذا اختفت مخاطر الحرب الأهلية.