باريس ــ بسام الطيارة
خصص الرئيس الفرنسي جاك شيراك مداخلته في افتتاح مؤتمر سفراء فرنسا السنوي السادس عشر أمس، التي وصفت بأنها خطبة وداعية لرئاسة الجمهورية التي سيغادرها بعد أشهر، للحديث عن الشرق الأوسط ولبنان، الذي خصصه بخطاب مشحون بالعواطف بعيد جداً عن الديبلوماسية.
غير أن هذا الموقف بدا متطوراً بعض الشيء، وخصوصاً من ناحية إقران المسألة اللبنانية بقضية الشرق الأوسط بشكل أوسع، إذ توقع أن «تستأنف الأعمال الحربية» إذا لم يُتوصل إلى «حل شامل بين كافة الأطراف في المنطقة».
ويرى المراقبون أن حديث شيراك كان موجهاً إلى الطرف الأميركي أكثر منه إلى السفراء الجالسين أمامه، إذ إنه تابع مباشرة وقفز نحو العراق، قائلاً، في اتهام شبه مباشر لواشنطن بتأجيج الوضع في المنطقة: «إن انعدام الأمن في العراق والتوتر في الخليج تبث مفاعيلها في أرجاء الشرق الأوسط كافة».
وفي ما خص لبنان والقرار ١٧٠١، قال الرئيس الفرنسي إن «القرار وضع حداً للعنف، ويقدم إطاراً لحل دائم مبني على الأمن لدولة إسرائيل والاستقلال للبنان على كامل أرضه». ووضع الأطراف كافة أمام مسؤولياتها، محذراً من أن «الخيار الآخر يعني العودة للقتال». وأضاف أن القرار «يرسم طريقاً يمكن أن يؤدي إلى نزع سلاح الميليشيات وإيجاد حل للقضايا الحدودية بما فيها مزارع شبعا». وطالب إسرائيل «برفع الحصار فوراً عن لبنان».
وفي إطار الدعوة إلى التضامن مع لبنان في إطار «مؤتمر دولي تعمل فرنسا من أجل عقده»، شدد شيراك على أنه لا يمكن التقدم «من دون مساهمة كل دول المنطقة». ويرى المراقبون أن هذه الإشارة هي الخطوة الأولى باتجاه دمشق من دون تسميتها بالاسم، وإن كانت تمزج الترغيب بالترهيب، إذ اعترف الرئيس الفرنسي بأن لبعض الدول «مصالح»، لكنه استطرد بأن «أفضل طريق للمحافظة عليها» هي أن يكون لبنان مستقلاً. ودعا سوريا إلى الخروج من «منطق الانغلاق» لتأخذ مكانها على طاولة الأمم «باحترامها الشرعية الدولية ومطالب الأمم المتحدة».
وأعاد شيراك ربط المسألة اللبنانية بأزمة الشرق الأوسط وجعلها «وليدة مآزق أخرى». وقال إن الصراع العربي الإسرائيلي «يولد شعوراً بأن المبادئ الكبرى تطبق حسب معايير مختلفة». ورأى أن إعادة الثقة المفقودة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني كفيلة بإطلاق ركب العمل الديبلوماسي واشترط لنجاحه وجود «مساهمة ومشاركة دولية». كما طالب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) «باستخلاص نتائج ولوجها العمل السياسي»، ووجوب وقف أعمال العنف والاعتراف بإسرائيل وما توصل إليه الطرفان في أوسلو.
وطالب شيراك باجتماع عاجل للجنة الرباعية كمقدمة لإحياء عملية السلام. وبدا مقتنعاً بترابط عملية السلام في المنطقة بمجمل عوامل التوتر الإقليمية، عندما قال: «إن المراهنة على السلام موجهة أيضاً إلى كل من إيران وسوريا». وتوجه إلى إيران، التي وصفها بأنها «دولة كبيرة» قائلاً إنها «لن تجد الأمن والتنمية في البرامج السرية»، بل «بالاندماج بالمجتمع الدولي».
ويرى البعض أن الرئيس الفرنسي أراد أن يعيد الاعتبار لاستقلالية فرنسا على الساحة الدولية بالنسبة إلى مجمل المسائل الشائكة والعالقة منذ عقود، التي تؤثر من وجهة نظره على أمن فرنسا وأوروبا، لذا احتلت مسألة الشرق الأوسط في شقيها وبعديها الفلسطيني واللبناني حيزاً كبيراً من مداخلته. وبدا أن جاك شيراك أراد تأطير عمل خلفائه ورسم خيوط عريضة لديبلوماسية بلاده للسنوات العشر المقبلة. وهو لم يهمل أوروبا، رغم تخصيص قسم بسيط لها من كلمته الطويلة، ولكنه ربطها أيضاً «بضرورة أن تكون أوروبا قادرة على استنفار قوتها للعمل من أجل السلام».