اسطنبول | منذ انفجار قضية الفساد التي طالت اولاد ٣ وزراء واحد الوزراء ونجل رجب طيب آردوغان، تشهد تركيا تطورات مثيرة على كافة الأصعدة السياسية والحقوقية والإعلامية والشعبية. فقد اقتنعت غالبية الشعب التركي ان هناك فساد ولكن من دون ان تحسم الموضوع لصالح رئيس الحكومة أو ضده.
فقد نجح آردوغان في تكتيكاته التي استهدفت حليفه السابق وعدوه اللدود الحالي فتح الله غولن، وحمله مسؤولية كل الحملة التي قال عنها انها تستهدفه وتستهدف عائلته وحكومته ومن دون ان يخطر على بال آردوغان ولو لمرة واحدة الاعتراف بوجود الفساد وإلا لماذا اولاد الوزراء ما زالو في السجن. وفضل آردوغان عن هذا الاعتراف معاقبة الذين اكتشفوا الفساد، حاله حال القاضي الذي يأمر بإخلاء سبيل الحرامي وزج الحارس الذي أمسك به في السجن بحجة انه اعتدى على الحرية الفردية للسارق؛ فقد قامت الحكومة بعزل ونقل ما لا يقل عن الف من مدراء الامن والفروع الأمنية في عموم تركيا. كما منعت على اي مسؤول أمني القيام باي تحقيق قضائي من دون الاستئذان من مديره . الحال نفسه بالنسبة لوكلاء النيابة الذين لم يعد من صلاحياتهم القيام باي أجراء قانوني ضد اي متهم بالفساد. كما تستعد الحكومة لتغيير القانون الخاص بصلاحيات مجلس القضاء الأعلى ووضعه تحت سلطة الحكومة من خلال وزير العدل الذي سيصبح رئيساً للمجلس بكامل الصلاحيات وعلى الرغم من النقاش الحاد الذي سبق هذا الكلام.
لم تكن كل هذه الإجراءات كافية لمنع وكيل النيابة وضباط الامن في مدينة أزمير من اعتقال ٣٠ من المتهمين في قضية فساد جديدة لها علاقة بشركة الخطوط الحديدية وتورط فيها عديل وزير المواصلات ايضا. على ان تكون الحملة الجديدة من آردوغان بعد عودته من زيارة خارجية شملت اليابان وماليزيا وسنغافورة التي وقعت مؤخراً مع تركيا على عقود بعشرات المليارات من الدولارات. وستكون هذه الحملة الجديدة من خلال اقتراح جديد من آردوغان لإعادة محاكمة جنرالات الجيش المحكوم عليهم بالسجن لفترات طويلة ومنهم رئيس الأركان السابق ايلكار باشبوغ. وسيكون هذا الاقتراح ومناقشته كافيا بالنسبة لاردوغان، الذي أقال الوزراء المتهمين بالفساد لتغيير أجندة الاعلام والشارع الشعبي، لكي ينسى السعب قضايا الفساد ويتلهى باحتمالات إخلاء سبيل الجنرالات. وسيكون ذلك كافيا ايضا لكسب ود العسكر لصالح اردوغان وضد فتح الله غولان الذي قال عنه مستشار لرئيس الوزراء الأسبوع الماضي ان اتباعه في الامن والقضاء هم الذين دبروا المؤامرة ضد الجنرالات قبل ٥ سنوات.
ويبقى الرهان على القوة التي مازالت لغولان في الامن والقضاء والتي قد تفاجئ الجميع في اي لحظة بإحدى قضايا الفساد الكثيرة التي تعرفها غالبية الشعب التركي ولكن ليس لديه ما يثبت ذلك كما فعل غولان .
وبات واضحا ان حرب غولن مع حليفه خريج مدرسة الامام والخطابة ( الثانوية الشرعية) آردوغان لا ولن تنتهي الا بالتخلص منه وهو ما يتطلب ضوءاً اخضر من الولايات المتحدة التي يعيشه فيها الامام غولن منذ حوالي ٢٠ عاما.
وفي السياق، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "سونار" ونشر أمس ان شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بلغت 42.3 في المئة بانخفاض 2% عن الاستطلاع السابق الذي أجرته في آب الماضي وهو ما يقل كثيرا عن نسبة 50 في المئة التي حصل عليها الحزب في انتخابات عام 2011. وحصل حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي على 29.8 في المئة وهي أعلى نسبة يحصل عليها الحزب منذ حزيران 2011 طبقا لاستطلاع "سونار" التي تميل استطلاعاتها إلى وضع نسبة تأييد الحزب الحاكم أقل من النسبة التي يقدرها الحزب.
إلى ذلك، وقعت مواجهات عنيفة في اسطنبول أمس بين الشرطة التركية ومئات الاشخاص الذين تجمعوا لاحياء ذكرى اغتيال ثلاث ناشطات كرديات قبل عام في باريس.
وتجمع 500 الى 600 متظاهر كردي من بينهم عدد من النواب بعيد الظهر امام مدرسة غلطة سراي في اسطنبول وهتفوا "نريد العدالة" من اجل الضحايا الثلاث، حيث ما زالت دوافع عمليات الاغتيال مجهولة الى حد كبير. وفيما توجه الموكب الى السفارة الفرنسية تدخلت قوى الامن باعداد كبيرة مستخدمة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين.
وكانت الناشطات الكرديات الثلاث، ساكنة جانسز التي تشكل رمزا تاريخيا لحزب العمال الكردستاني والمقربة من مؤسسه المسجون عبد الله اوجلان، وفيدان دوغان وليلى سويليميز قد اغتلن بالرصاص في مقر مركز المعلومات الكردي في باريس في كانون الثاين الماضي.