حملت زيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إلى الجزائر ومن بعدها ليبيا خلال اليومين الماضيين عنواناً اساسياً هو الأمن في منطقة الساحل الأفريقي، وخصوصاً أنها جاءت في وقت تشهد فيه جمهورية مالي تدخلاً دولياً سافراً بحجة ملاحقة عناصر القاعدة وغيرها من التنظيمات الإسلامية الجهادية، التي سيطرت على شمال هذا البلد الأفريقي، وفرضت حكم الشريعة الإسلامية على مواطنيها.
العنوان الأمني للزيارة المزدوجة برز على نحو لافت من خلال تصريح كاميرون في العاصمة الجزائرية، حيث استقبله الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في قصر الشعب أول من أمس، كأول رئيس وزراء بريطاني يزور الجزائر منذ أكثر من 50 عاماً. كاميرون عبّر عن رغبته في تعزيز علاقات الأمن بين بريطانيا والجزائر بعد «دلائل على تنامي خطر» تنظيم القاعدة في المنطقة.
ولعل دلالات هذه الزيارة الاستثنائية أنها أتت في وقت استثنائي بعد أسبوعين من هجوم شنه إسلاميون مسلحون ضد منشأة لإنتاج الغاز في صحراء الجزائر، قُتل فيه نحو 37 أجنبياً، بينهم بريطانيان. وعشية إعطاء وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لاطلاق بعثة من شأنها مساعدة ليبيا على ضبط أمن حدودها، الذي يُعدّ أمراً حيوياً، في ظل التوتر الذي يسود دول الساحل.
كاميرون الذي وجّه لوماً مبطناً إلى الجزائر بسبب اتخاذها قرار انهاء عملية الخطف عسكرياً من دون إعلام لندن، تحدث في بلد المليون شهيد عن «حوار أمني استراتيجي بين بلدينا»، مؤكداً «أننا ناقشنا كيفية محاولة بذل جهد أكبر في ما يتعلق بالحوارات الاستراتيجية وأيضا التعاون الدفاعي والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون في مجال الاستخبارات»، ومكرراً معزوفة «مواجهة الارهاب في مختلف أنحاء العالم». لذلك أبدى استعداد لندن للمساعدة على تدريب القوى الأمنية في منطقة غرب أفريقيا، ولعل مرافقة مستشار الأمن القومي البريطاني كيم داروك، له، تحمل اشارات الى الأهمية الأمنية للزيارة.
ويبدو أن كاميرون سعى أيضاً إلى السير على درب زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الأخيرة الى الجزائر في قطف فرص استثمارية، ولا سيما لشركة «بريتش بتروليوم».
أما في طرابلس، التي يحل فيها للمرة الثانية بعد مشاركته مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في احتفالات الليبيين بالنصر على نظام العقيد معمر القذافي في خريف عام 2011، فقد جاءت زيارته أمس، استكمالاً لمباحثاته حول الوضع الأمني في منطقة الساحل وارتباطها بدول شمال أفريقيا.
اللافت أن وصوله إلى ليبيا، تزامن مع إصدار لندن تحذيراً من تهديدات تستهدف رعايا غربيين في مدينة بنغازي (شرق ليبيا) وسفارتها في طرابلس. أما الإشارة الأبرز للبعد الأمني، فكانت توجه المسؤول البريطاني برفقة وزير الداخلية الليبي عاشور شوايل، على الفور، إلى أكاديمية الشرطة، في الضاحية الجنوبية للعاصمة، حيث حضر مراسم تخرج لضباط الجيش، وهذا جرى وسط إجراءات أمنية استثنائية مشددة. وبحسب مصدر حكومي ليبي، فإن التعاون في «مجال الأمن»، هو محور محادثات كاميرون مع المسؤولين الليبيين، في وقت لا تزال فيه الهضبة الأفريقية تعاني تجاوزات ثوار الأمس، الذين تحولوا الى ميليشيات فوضوية تهدد أمن البلاد.
ولعل زيارة كاميرون أتت في ظل حساسية الموقف الأمني الليبي وارتباطه بما يجري في مالي، فيما تواصل القوات الجوية الليبية عملياتها العسكرية لتمشيط الحدود الجنوبية الغربية، حيث تنشط عمليات تسلل المقاتلين وتهريب السلاح عبر الدول المجاورة لليبيا.
من الواضح أن لندن وباريس اللتين تقدّمتا جيوش حلف شمال الأطلسي في معركة القضاء على نظام القذافي، تواصلان استراتيجياتهما في المنطقة بهدف معلن هو ملاحقة التنظيمات المتشددة، وهدف خفي هو مواصلة الكولونيالية تحقيق أهدافها في مواقع ومصادر الثروة.
ويبدو عنوان الأمن فضفاضاً حين نتحدث عن تطورات الأوضاع في منطقة الساحل، وخصوصاً أن فزاعة القاعدة كانت خطة مدروسة لدى دوائر القرار منذ سنوات، وكان مشروع إقامة قاعدة عسكرية للأطلسي في ليبيا لقتال القاعدة، مهمة مطروحة منذ إطاحة نظام القذافي.