في أواخر الأربعينيات سمّت الحكومة الاميركية النظام الاشتراكي الشيوعي في الاتحاد السوفياتي «المؤامرة الشيوعية الدولية». كبرت الأجيال الاميركية على «نظريات مؤامرة» حاكتها الإدارة الاميركية وأجهزة استخباراتها، وبلغت ذروتها خلال «الحرب الباردة». بعضها كان سياسياً يروّج لـ«مؤامرة كونية تديرها نخبة من الأمنيين والمفكرين اخترعوا النظام الشيوعي لتدمير الولايات المتحدة»، وبعضها الآخر عن كائنات فضائية وحرب يدبرونها لسكان الأرض وتحديداً ضد الشعب الاميركي.
واخرى عن «نهاية العالم على أيدي الشيوعيين الملحدين». وقد راجت «نظريات المؤامرة» في الولايات المتحدة على نحو كبير حتى بات كل اغتيال سياسي أو ظاهرة طبيعية أو تغيّر اجتماعي يرفق بروايات مؤامراتية ضخمة لكل منها «جمهورها». أيقن المسؤولون الاميركيون أهمية نسج الروايات المؤامراتية في أذهان المواطنين بغية تحقيق خلل نفسي وفكري لديهم، ما يسهل تسويق السياسات والأفكار التي يريدونها. لذا، عندما انتهت «الحرب الباردة» بقيت «المؤامرات» حيّة. أفكار مرتبطة بمعتقدات دينية واخرى بتيارات ثقافية واخرى بنظريات سياسية، تطبع آراء ومخيلات عدد كبير من المواطنين الاميركيين. ورغم كل ظروف التطور والتنوّع والانفتاح التي يعيشها المواطنون الاميركيون، لا تزال مجتمعاتهم تمثل أرضاً خصبة لنظريات المؤامرة حتى أيامنا هذه. أحداث 11 أيلول، مثلت مادة دسمة لحبك نظريات المؤامرة داخل المجتمع الاميركي، وأحياناً بتحفيز إعلامي ــ سياسي. وصدام حسين كان «يتآمر على أمن الشعب الاميركي بأسلحة دمار شامل» عام 2003، ووحدها المؤامرة الكونية هي التي رتّبت وصول باراك أوباما الى رأس السلطة، وهو المولود في كينيا أصلاً...
الشعب الاميركي لم يشفَ من حمّى «نظرية المؤامرة» بعد. استطلاع أخير للرأي أجرته مؤسسة أميركية تدعى Public Policy Polling يعطي فكرة عما يجول في خاطر عيّنة متنوعة من الشعب الاميركي. الاستطلاع دار حول أبرز «نظريات المؤامرة» المنتشرة في المجتمع الاميركي، والنتائج جاءت لافتة لجهة وجود مجموعات لا تزال مؤمنة حتى بأغرب تلك النظريات.
28% من المستجوبين يؤمنون مثلاً بأن مجموعة من النخب الحاكمة تتآمر من أجل فرض أجندة حكم ديكتاتورية عالمية لإحلال ما يسمّونه «النظام العالمي الجديد». 28% منهم لا يزالون يرون أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين متورط في أحداث 11 أيلول، و11% يقولون إن الحكومة الاميركية كانت على علم بهجمات 11 أيلول وسمحت بها. النتيجة اللافتة كانت حول الرئيس الاميركي، إذ يؤمن 13% من المستجوبين بأن أوباما هو «المسيح الدجّال»، و13% آخرون يقولون إنهم «لم يحسموا أمرهم في هذا الشأن بعد». 37% ممن شملهم الاستطلاع يرون أن الاحتباس الحراري هو خدعة. 21% يقولون إن «أجساماً طائرة غير محددة الهوية» (UFOs) حطّت في مدينة روزويل في نيومكسيكو عام 1947 والحكومة الأميركية أخفت الأمر. 15% مقتنعون بأن الحكومة تعتمد تكنولوجيا معينة للسيطرة على عقول المواطنين من خلال ذبذبات تبثّها عبر شاشات التلفزيون.
أكبر نسبة إجماع على المؤامرة، كانت حول اغتيال الرئيس السابق جون إف كينيدي، إذ يرى 51% من المستجوبين أن هناك مؤامرة كبيرة وراء قتله. 29% يؤمنون بوجود سكّان في الفضاء، و15% مقتنعون بأن شركات الدواء تخترع أمراضاً جديدة لتسوق أدويتها. ومن بين النسب المتدنية، لكن الموجودة بين العينة المستجوبة، قال 6% إن أسامة بن لادن لا يزال حيّاً، و7% رأوا أن الهبوط على سطح القمر كان مزيفاً.
المؤامرة موجودة إذاً في كل جوانب حياة الأميركيين. بعض الذين تابعوا نتائج الاستطلاع الأخير، ذهلوا بعدد المواطنين الذين لا يزالون يؤمنون بأفكار مؤامراتية انتشرت في أربعينيات القرن الماضي. والبعض الآخر علّق على الأفكار التي زرعتها حملات الجمهوريين في أذهان المواطنين أخيراً حول أول رئيس أسود للولايات المتحدة الاميركية. الاستطلاع قسّم أيضاً النتائج حسب انتماء المستطلَعين السياسي بين جمهوريين وديموقراطيين ومستقلين، وقد تبيّن أن نسبة الجمهوريين الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة أكبر من نسبة الديموقراطيين.
من جهة اخرى، ردّ مايكل سنايدر على موقع «إنفو وورز»، ملمّحاً بدوره الى مؤامرة تحوكها الحكومة الاميركية من خلال نشرها الاستطلاع. «هل لاحظتم أنه كلما أرادت الحكومة أن تؤبلس وجهة نظر ما، سمّتها نظرية مؤامرة؟»، سأل سنايدر في بداية مقاله. وتابع «هل بات السؤال عن أمر ما جريمة؟ وهل بات ممنوعاً أن نفكر بأنفسنا بغض النظر عن البروباغندا الرسمية؟». وحول نظرية المؤامرة، قال الكاتب إنها «موجودة منذ تكوين البشرية». وأضاف ساخراً «وفي أيامنا هذه علينا أن نفكّر في أن حكّامنا جميعهم وفي الشركات الكبرى التي تتحكم في مجتمعاتنا هم طيّبون ولا يمكن أن يتآمروا علينا أو أن يلحقوا أي أذىً بنا». ثم تولّى سنايدر تفنيد كل «مؤامرة» على حدة وتبريرها. في مقتل اسامة بن لادن مثلاً، قال الكاتب، «لقد تخلصوا من الجثة مباشرة ولم نر حتى الآن أي صورة مزعومة لزعيم القاعدة مقتولاً، هل علينا أن نثق ثقة عمياء بسياسيينا؟».
صحافيون آخرون برروا انتشار نظريات المؤامرة لكونها ظاهرة قديمة تعود الى القرون الوسطى وقد اعتمدها رجال الدين والسياسيون في كل العهود، وخصوصاً في فترات الحروب. وبعضها توارثته الاجيال حتى عصرنا الحالي.



أشهر «المؤامرات» عند الأميركيين

لائحة نظريات المؤامرة المنتشرة في المجتمع الاميركي طويلة. وكان أحدثها «مؤامرة 11 أيلول 2001»، التي تقول إن الحكومة الاميركية كانت على علم مسبق بالهجمات. ومن أشهر النظريات العالقة في الأذهان الاميركية، تلك التي ارتبطت بمغنّي فرقة «البتيلز» بول مكارتني، والتي تقول إنه مات في حادث سير عام 1966 ثم استبدل بشبيه له في الصوت والصورة. واخرى تؤكد أن المغني «الملك» إلفيس بريسلي لم يمت عام 1977، وهو لا يزال حيّاً، فيما نشرت بعض الصحف تحقيقات عن حياة المغني الاميركي بعد عام 1977 بتفاصيلها ثم اعترفت بأنه مات في التسعينيات. نظرية اخرى منتشرة في الولايات المتحدة تقول إن الحكومة تدسّ مادة الفلورايد في مياه الشرب من أجل السيطرة على عقول المواطنين. نظرية اخرى تدور حول مشروع يقومه سلاح الجو والبحرية الاميركية من شأنه أن يتحكم في أحوال الطقس ويغيره ويؤثر على العقول البشرية، وتلك النظرية تحدّث عنها بعض حكام الولايات.