في وقت بدأ فيه الرئيس محمود أحمدي نجاد لملمة أغراضه لمغادرة كرسي الرئاسة بعد إخراج مرشحه من السباق الانتخابي، تؤكد أوساط معسكر علي أكبر هاشمي رفسنجاني أن الرئيس الأسبق تقدم في اللحظة الأخيرة بترشحه في اللحظات الأخيرة بضغط من تجار البازار، تحت هاجس القلق من إمكان نجاح اسفنديار رحيم مشائي، وبضغط من الإصلاحيين، في مقدمهم الرئيس محمد خاتمي، من الذين كانوا يراهنون على العودة إلى الحياة السياسية تحت عباءة رفسنجاني، وبالتالي تحقيق مصالحة واقعية مع النظام من دون الاضطرار إلى تقديم أي تنازلات. ورغم الخصومة الشرسة بين رفسنجاني (الذي كان يعتقد بأنه قادر على تحقيق الغايتين) وبين مشائي (الذي رفض نجاد ترشيح أحد معه)، فإن المعادلة الانتخابية كانت تشير إلى أنه ليس بإمكان أي منهما أن يحقق فوزاً إلا عبر فرض حالة من الاستقطاب الثنائي يشكلان طرفيه، ما يضع المبدئيين على هامش المعركة. وعليه، تشير الأوساط نفسها إلى أن «رفسنجاني ترشح رفع عتب. كان يريد أن يرمي الحجة على النظام وعلى كل من يضغط عليه. أصلاً كان الترجيح أن ينسحب في حال رفض مجلس الصيانة ترشح مشائي».
أوساط متابعة لعمل مجلس صيانة الدستور تؤكد أن قراره رفض ترشيح رفسنجاني جاء على خلفيتين: الأولى صحية، من بين ما يستند إليه تصريح علني لرفسنجاني نفسه أدلى به قبل نحو سبعة أشهر يؤكد فيه أن «حالتي الصحية ونشاطي اليومي وقدرتي لا تسمح لي بممارسه مهمات رئاسة الجمهورية، وسأكون خائناً إذا ما قبلت بواقع كهذا». أما الثانية فهي عدم قيام رفسنجاني بأي خطوة، عملاً كان أو تصريحاً، يفصل من خلاله نفسه عن «أصحاب الفتنة» في مخالفة لأحد شروط الترشح القاضية بأن يكون المرشح من ضمن منظومة النظام وموالياً للولي الفقيه ولمبادئ الجمهورية الإسلامية. ولعل ما سلف يفسر قرار رفسنجاني عدم الاعتراض على إقصائه من قبل مجلس صيانة الدستور، على ما أفاد رئيس حملته الانتخابية، اسحق جهانجيري، الذي أوضح «السيد هاشمي رفسنجاني، وحملته ككل، دخل الحقل على أساس الالتزام بسيادة القانون والأخلاق، وسيستمر أيضاً على هذا المنوال».
في المقابل، يبدو مشائي، ومن خلفه نجاد، مصممين على المضي في معركتهما لخوض السباق، رغم تأكيد مصادر وثيقة الاطلاع أن لا تراجع عن قرار الاستبعاد. وتقول هذه المصادر إن «سماحة القائد سبق أن بعث برسالة خطية إلى نجاد يؤكد فيها عدم صلاحية مشائي لشغل منصب المعاون الأول لرئيس الجمهورية» في خطوة أخرجت إلى العلن أولى بوادر عدم رضى المرشد عن سلوك رئيس الجمهورية «فكيف يتصور البعض أن التظلم لمكتب المرشد يمكن أن ينجم عنه قبول القائد بترشح مشائي لمنصب الرئاسة؟».
وأثار نجاد هذا الملف، على هامش ترؤسه الجلسة الحكومية أمس، قائلاً «لقد قدمت السيد مشائي وأنا أعرفه. إنه شخص يحب الحق ومفيد للبلاد، وأعتقد أنه كفء»، مشيراً إلى أنه «في رأيي لن تكون هناك مشكلة مع القائد (خامنئي) وسأثير هذه المسألة معه حتى آخر لحظة. عندي أمل بأن تحل المشكلة»، فيما أعلن مشائي «أنا أعتبر رفض أهليتي ظلماً بحقي، وسأتابع الأمر عبر سماحة القائد».
وكان نجاد ومشائي قد هددا، خلال الفترة الماضية، بأنهما سيكشفان ما حوزتهما في حال رفض ترشح مشائي، مشيرين إلى ملفات فساد كبرى تطال مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة. ويراهن نجاد ومشائي على سابقة تدخل خامنئي في عام 2005 وطلبه من مجلس صيانة الدستور التراجع عن قراره برفض المرشحين الرئاسيين الإصلاحيين مصطفى معين ومحسن مهر علي زاده، في أعقاب تظلمهما لدى مكتب خامنئي بادعاء أنهما صالحان لتولي هذا المنصب وأن لديهما من الشعبية ما يسمح لهما بتوليه. وكانت مصادقات مجلس صيانة الدستور قد اقتصرت على كل من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي ومستشار المرشد للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي والرئيس السابق لمجلس الشورى غلام علي حداد عادل ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي، وجميعهم من المبدئيين، ومعهم الأصولي حسن روحاني الذي يمثل «كوادر البناء» بزعامة رفسنجاني، ومرشح الإصلاحيين وزير الاتصالات الأسبق في عهد محمد خاتمي، محمد رضا عارف، ووزير النفط والاتصالات الأسبق محمد غرضي.
وحتى وقت متأخر من مساء أمس، كانت الإشارات الوحيدة التي صدرت عن المبدئيين الأربعة تفيد بأنهم سينسقون في ما بينهم في محاولة للاتفاق على الصيغة التي سيدخلون فيها الانتخابات، في ظل تفاهم سابق بين الثلاثي قاليباف ـــ ولايتي ـــ حداد عادل على الانتهاء بواحد منهم في السباق. طبعاً أربك دخول جليلي على الخط معسكر المبدئيين، في ظل استطلاعات رأي تشير إلى أن قاليباف لا يزال يحتل الصدارة بينهم، يليه جليلي (الذي يحقق تقدماً)، فولايتي، فحداد عادل. لكن تلك الاستطلاعات ليست العامل الوحيد في تقرير الوضع بينهم. هناك طبعاً مؤسسات النظام، الدينية والسياسية والعسكرية والأمنية والطلابية والدوائر الحكومية وأجهزة التقدير والأجهزة الاستشارية وغيرها. وهناك أيضاً الميزات الشخصية، بينها على سبيل المثال ما إذا كان نجاح قاليباف في إدارة بلدية طهران يؤهله ليكون واجهة لإيران، وما إذا كانت شراسة جليلي وحنكته كمفاوض نووي تعني أنه قادر على الإمساك بكل ملفات البلاد بالكفاءة نفسها، وهكذا. ويرجح أن ينتهي بهم الأمر بجليلي وقاليباف مرشحين عن المبدئيين أو بواحد منهما في سيناريو هو الأمثل بالنسبة إلى معسكرهم.
في المقابل، يبدو واضحاً أن روحاني سيكون المرشح المنافس في المعسكر الآخر، في ظل شبه اقتناع بأنه لن ينجح في الحفاظ على تماسك الذين التفوا حول رفسنجاني، والذين سيقاطع بعضهم الانتخابات، فيما سيصب البعض الآخر لصالح مرشح الإصلاحيين محمد رضا عارف. ويبقى محسن رضائي، الذي خاض غمار انتخابات الرئاسة في المرة الماضية من دون أن ينجح في تحقيق نتائج تذكر، ومحمد غرضي الذي تولى وزارة البريد والتلغراف في عهد رفسنجاني (قبل أن يتم تغيير اسمها إلى وزارة الاتصالات). وكان غرضي ينتمي إلى «كوادر البناء» قبل أن يغادره. ويترشح الآن بصفة مستقل. هو الوحيد الذي ليس لديه ماكينة انتخابية، وأعلن أنه لن يقوم بجولات على المحافظات، مكتفياً بـ«إيصال صوتي إلى الناس عبر الإذاعة والتلفزيون». عملياً هو «قطعة الحلوة في هذه الانتخابات».
ولعل السؤال الأكثر جاذبية: لمن ستعطي مجموعة نجاد أصواتها؟ متفائل يقول إن جزءاً منها سيذهب إلى جليلي باعتباره يمثل الحكومة. الحكم للصناديق، التي يتحدث العارفون عن أن نسبة الاقتراع فيها ستتراوح بين 60 و70 في المئة رغم كل شيء.



أجهزة طرد أكثر تطوراً

أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقرير نُشر أمس، بأن إيران سرّعت تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً في منشأة ناتنز لتخصيب اليورانيوم وسط البلاد، وهو نشاط يشكل صلب الخلاف مع القوى الكبرى. وأشار تقرير الوكالة التابعة للأمم المتحدة الى أن إيران قامت بتركيب نحو 700 جهاز طرد مركزي من طراز «اير - 2م» إضافة الى أغلفة لأجهزة طرد مركزي فارغة في موقع ناتنز، في مقابل 180 جهازاً في شهر شباط الماضي. لكن في تطور قد يتيح وقتاً للدبلوماسية بين إيران والقوى الكبرى، أظهر التقرير أيضاً نمواً محدوداً في مخزون إيران النووي الأكثر حساسية وأنه لا يزال دون «الخط الأحمر» الذي حددته إسرائيل، مهددةً بتنفيذ هجوم استباقي على إيران إذا تجاوزته. في المقابل، تمت إزاحة الستار عن خمسة إنجازات جديدة في مجال التسلح ومعدات القتال الفردي في إيران أمس، بحضور وزير الدفاع العميد أحمد وحيدي. وأفادت وكالة مهر الإيرانية للأنباء بأن عرض هذه المنجزات جاء على هامش مهرجان «الجندي الشاب» الخامس، واشتملت الإنجازات الخمسة التي جميعها تستخدم في التسلح والقتال الفردي على زيّ عسكري للتمويه مزوّد بمنظار ليلي وبخاصية أشعة ما دون الحمراء ومسدس «صائد» وأسلحة حمل فردية للجنود ومعدات عسكرية «نافذ» جميعها من منتجات وزارة الدفاع الإيرانية.
(رويترز، مهر)