لعل المسؤولين الفرنسيين لم يحظوا في صحافة بلادهم بالإطراء والثناء الذي أتحفتهم به الصحافة الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين. فمنذ أن عُلم أن الموقف الفرنسي هو الذي حال دون التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ودول «5+1» في جنيف، حفلت صفحات الصحف الإسرائيلية بتعلقيات أشبه بمقالات البلاط من حيث تمجيدها لاعتراض باريس على الاتفاق المتبلور في جنيف وتسببها بكبح الاندفاعة الأميركية لإبرامه.
وبرغم ما خرج إلى الملأ بشأن دوافع الموقف الفرنسي الذي ربط اعتراضه بتفاصيل ذات علاقة بمفاعل «آراك» وسط إيران، وموضوع تخصيب اليورانيوم، فإن حقيقة الأمر لا تعدو، وفقاً لتقارير إسرائيلية، حسابات فرنسية تتصل بحجم الاستثمارات التي تمتلكها لدى دول الخليج العربية، الرافضة للتصالح الغربي مع طهران، وحجم الاستثمارات التي ترى باريس أن واشنطن تزاحمها عليها في إيران بعد تحرير مليارات الدولارات التي ستدخل الخزينة الإيرانية من المصارف الغربية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «معاريف» أمس، فإن ما يقف وراء السجال بين فرنسا المتشددة حيال الاتفاق مع إيران والولايات المتحدة التي تميل إلى التساهل في تمرير الاتفاق، هي مليارات الدولارات الإيرانية التي تخشى فرنسا أن تذهب إلى الشركات الأميركية على شكل عقود استثمارية بعد رفع العقوبات عن طهران.
وقالت الصحيفة إن التصلب الفرنسي الطارئ «أخرج إلى السطح خريطة المصالح الغربية في منطقة الخليج الفارسي المشتملة على تجارة النفط والسلاح والسيارات والتكنولوجيا والتي تدحرج الكثير من المليارات التي تؤثر من دون شك على مواقف الدول في القضية المشحونة والمعقدة جداً المسماة البرنامج النووي الإيراني».
ففرنسا، تمتلك قاعدة عسكرية في أبو ظبي، مقابل إيران. كما أن قطر هي مستثمر رئيسي في الاقتصاد الفرنسي، إضافة إلى أن باريس ترغب في الفوز بصفقات تسليحية وتجارية مع السعودية على حساب الأميركيين، حسب «معاريف».
وفي الدوائر الرسمية والاقتصادية الفرنسية، يحذّرون من نوايا الأميركيين وشركاتهم للفوز بصفقات دسمة مع إيران بعد رفع العقوبات.
ونقلت الصحيفة عن مصادر في العاصمة الفرنسية أن الأميركيين اهتموا بإزاحة الشركات الفرنسية جانباً في مجالي السلاح والتكنولوجيا، وكذلك في مجال صناعة السيارات.
وعلى مشارف الاتفاق المزمع مع إيران، فإن الأميركيين، بحسب المصادر الفرنسية، يسعون إلى استبدال الشركات الفرنسية بأخرى أميركية.
وذكرت «معاريف» أنها علمت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان قد بعث برسالة إلى وزير الخارجية الفرنسي، رولان فابيون، عن طريق عضو البرلمان الفرنسي مئير حبيب، أورد فيها أن التوصل إلى اتفاق مع إيران في جنيف من شأنه أن يعزز فرص الهجوم العسكري الإسرائيلي على طهران.