«استراتيجية ما بعد إغلاق هرمز»، لعلها العبارة الأكثر دقّة في توصيف الحراك الحالي لطهران التي يبدو أنها حسمت قرارها في كيفية مواجهة أي قرار بفرض حظر نفطي عليها: عدم الاكتفاء بإغلاق هذا المضيق الحيوي فقط، بل إعداد العدة لتطبيق معادلة النفط في مقابل النفط.
ومن اليوم حتى يحين هذا الموعد، تعكف الأجهزة العسكرية والاستخبارية والأمنية الإيرانية بكل جهدها لتجهيز الرد على عملية اغتيال العالم النووي مصطفى أحمدي روشن. ردٌ متوقع خلال أسابيع، وبات جلياً أن إسرائيل ستكون أحد أهدافه.
وبناءً على ذلك، تظهر الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى القيادة العليا في إيران، عبر ثلاث قنوات دبلوماسية، ومعها الرد الإيراني عليها، حدثاً بالغ الدلالة والأهمية في هذا السياق. مصادر إيرانية مطّلعة على مضمون الرسالة تقول إن إوباما خاطب الإيرانيين في خلالها بما معناه «نعرف أنكم تستطيعون إغلاق مضيق هرمز، وهذا بالطبع سيزعجنا، ولا شك في أننا سنحاول فتحه، لكننا نفضّل أن يحصل مثل هذا الأمر عن طريق الحوار والتفاهم، مع تحذير مبطّن بأن إغلاق هرمز سيعطّل عجلة الاقتصاد العالمي، مع ما يعنيه ذلك من إمكان الانزلاق نحو حرب لا أنتم (الإيرانيين) تشتهونها ولا نحن (الأميركيين) نريدها». وتوضح أن «التحذير الأميركي من خوف من فقدان السيطرة، تضمّن إشارة إلى أن هناك من يسعى إلى توريط الطرفين في حرب»، في لفتة فُهِم أن المقصود منها هم الإسرائيليون.
وتكشف هذه المصادر عن أن الرد الإيراني كان أن «الذي يريد الحوار لا يتصرف على هذا النحو. الرغبة في الحوار لها آليات وأدبيات وبروتوكولات لا تنسجم مطلقاً مع سياسة الاغتيالات وسياسة العصا غير المقبولة بتاتاً من قبلنا، وخاصة أنه قد جاءت في وقت يبدو واضحاً فيه أن (نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليام) بيرنز يجاهد منذ أشهر للحصول على فرصة للاجتماع بـ(أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد) جليلي». ويضيف الرد، بحسب رواية المصادر، «أنت (باراك أوباما) تتحدث عن معادلة إغلاق مضيق هرمز. هذه المعادلة تجاوزناها وأصبحت من الماضي. نحن نتحدث عن معادلة ما بعد إغلاق مضيق هرمز، وفيها أن النفط ليس من أنواع البضاعة التي يمكن وقفها من طرف واحد. وبالتالي معادلة ما بعد هرمز تقوم على قاعدة: النفط مقابل النفط. إما أن يتأمن النفط للجميع، أو لا يتأمن لأحد». وتوضح المصادر أن «المسألة لم تعد إغلاق مضيق هرمز أو لا. قرار الإغلاق اتخذ عند صدور أول قرار غربي بحظر استيراد النفط من إيران. طهران حسمت أمرها: سنؤذي كل من يؤذينا. وترجمته أن إيران ستمنع وصول النفط إلى كل دولة مستوردة تشارك في فرض الحظر، وستمنع خروج النفط من كل دولة مصدرة تحاول تعويض نقص النفط الإيراني من السوق». وتختم المصادر بالقول «لدينا خيارات كثيرة ومفتوحة في هذا الاتجاه. كل ناقلات النفط مهددة. ندرس أياً من الخيارات هو الأفضل، بحسب المكان والزمان والطرف المعني في هذه الحرب المفتوحة. الأفضل أن توقفوا الحديث عن مقاطعة نفطية وحرب اقتصادية على طهران، والعودة إلى القنوات الطبيعية».
والإشارة إلى الدول المصدرة هنا مقصود بها دول الخليج، وخاصة السعودية التي «نكثت بالعهد» الذي قطعه وزير نفطها علي النعيمي لنظيره الإيراني رستم قاسمي بعدم تعويض نقص النفط الذي يسبّبه وقف استيراد النفط الإيراني. وللمناسبة، فإن قاسمي من الشخصيات الرفيعة في إيران، وينحدر من خلفية عسكرية لا تكنوقراطية، ذلك أنه كان من كبار رجالات الحرس، ويُعدّ من أقرب المقرّبين إلى المرشد، ويتوقع المعنيون مستقبلاً باهراً له.
وتقول مصادر إيرانية معنية أن «الدول الخليجية أُبلغت رسالة شديدة اللهجة تؤكد أن أي مشاركة في التهديد أو في حصار إيران فإن الخليجيين سيأخذون نصيبهم من الرد، مثلهم مثل الولايات المتحدة وإسرائيل».
أما بشأن تسليم الرسالة نفسها عبر قنوات ثلاث، هي الرئيس العراقي جلال الطالباني والسفارة السويسرية التي ترعى المصالح الأميركية في طهران والبعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، فالحديث الدائر في الصالونات السياسية الإيرانية يفسّر القناة الأولى بأنها القناة الآمنة التي يعتمدها الأميركيون منذ سنوات (وقد اختيرت رغم تكليف أوباما نوري المالكي بهذا الدور، لكون الأخير يخوض معركة الدفاع عن سوريا)، وقد اختار الأميركيون العراقيين لهذه المهمة لأنهم يريدون وسطاء متحمّسين لأداء هذا الدور، وبأمانة. القناة الثانية، وهي القناة الاعتيادية، لكن يبدو أن الأميركيين قد أيقنوا أنها مخترقة من جهات عديدة، وخاصة الاستخبارات البريطانية. وتبقى القناة الثالثة التي فهم الإيرانيون أنها إشارة إلى أن الأميركيين يريدون القول إنهم جديون بالرغبة في الحوار.
وكانت لافتة محاولة السلطات الإيرانية التخفيف من أهمية هذه الرسالة. وقد تجلى ذلك في أوضح صوره بتصريح لمستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، الذي رأى أمس أن «رسالة أوباما لا تحمل جديداً».
ويعتقد الإيرانيون، على ما تفيد المعلومات الواردة من طهران، بأن «عملية اغتيال العالم النووي روشن قد ارتدّت سلباً على منفذيها ورعاتهم، سواء على المستوى الداخلي الإيراني، أو في إطار الصراع بين إيران والاستكبار». فعلى المستوى الداخلي، رصّت الصفوف وخفضت من حدّة الخلافات، لكونها ضربت هدفاً يُجمع حوله الإيرانيون، ألا وهو البرنامج النووي، وذلك قبل أسابيع قليلة من الانتخابات البرلمانية الإيرانية المقررة في الأول من آذار المقبل. أما على المستوى الخارجي، فقد قرأ الإيرانيون من سرعة الإدارة الأميركية في التنصّل من العملية، بل وإدانتها (هيلاري كلينتون) مع تلميحات إلى أن الأميركيين يمكن أن تكون لديهم معلومات تشير إلى الجهة التي نفذت العملية (ليونيل بانيتا)، خوفاً من الرد الإيراني على الاغتيال، وخاصة أن السلطات الإيرانية لديها معلومات عن أن «الإسرائيليين يستخدمون غطاء الـ سي آي إيه (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية) لدى تحركهم في بعض المناطق، وهي ترجّح أن يكون هذا الأمر قد حصل في تجنيد الخلايا التي اغتالت روشن، ما يفسّر المسارعة الأميركية إلى التنصّل والإدانة».
وقد جاءت تعليمات القيادة العليا للقوات المسلحة بحتمية العقاب لتؤكد هذه المخاوف التي لا بد أن أمر العمليات الذي صدر في هذا الإطار سيعززها، وقد تضمن مجموعة من العناصر:
أولاً، أنه حسم أن عملية الاغتيال نفّذتها إسرائيل بضوء أخضر أميركي بريطاني.
ثانياً، أنه جاء تطبيقاً للمعادلة التي أعلنها المرشد علي خامنئي، والقاضية بالرد على كل اعتداء وأي تهديد. والترجمة العملية لهذه المعادلة أن على القوات المسلحة الإيرانية أن تواجه التهديد بالتهديد.
ثالثاً، أن أمر العمليات اعتمد قاعدة المعاملة بالمثل. وفي هذه الحالة، يكون جميع العلماء النوويين العاملين لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا هدفاً للرد الإيراني.
رابعاً، وجوب ملاحقة المتورطين في أي مكان وبكل الطرق المباحة شرعاً.
خامساً، نصّ أمر العمليات على ضرب المتورطين أينما يُعثر عليهم.
سادساً، أن الرد يجب أن يكون مؤلماً، على قاعدة: عاقبوهم وأوجعوهم.
سابعاً، أن الرد يجب أن يحصل في المدى المنظور (الحديث يجري عن أسابيع).
ثامناً، يجب أن يؤدي الرد إلى تغيير في المعادلة يدفع الغرب إلى التراجع عن محاولاته خنق الاقتصاد الإيراني.
وفي هذا الإطار، ألّفت القوات المسلحة الإيرانية لجنة عسكرية برئاسة مساعد رئيس الأركان العميد مسعود جزائري مهمتها العمل على تحديد الهدف والتوقيت وتنفيذ عملية الرد على اغتيال روشن، الذي رأت فيه طهران «رسالة بأن إغلاق مضيق هرمز سيؤدي إلى فتح حرب في الداخل الإيراني عبر تصعيد الحرب الأمنية وعسكرة فضاء الانتخابات». ويبدو واضحاً من خلال تأليف هذه اللجنة أن الرد، الذي اتخذ القرار المبدئي بشأنه على أعلى المستويات، مسألة تقنية يحدد طبيعته وأهدافه وتوقيته وأساليبه ومنطقة استهدافه العسكريون المتخصصون.
وفي ظل نأي الأميركيين بأنفسهم عن عملية الاغتيال، معطوفاً بشماتة إسرائيلية على قاعدة «أننا لن نذرف دمعة واحدة عليه»، يبدو أن الهدف الأكثر ترجيحاً لعملية الرد قد يكون «الكيان الصهيوني». على الأقل لا شك في أنه سيكون أحد أهداف هذا الرد. ويعزز هذا التوجه تصريح لوزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي أكد في خلاله أن الدولة العبرية «ستتلقى رداً ساحقاً» على عملية الاغتيال.



لاريجاني: اعتقلنا بعض المتورّطين

أعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، أمس، اعتقال بعض المتورطين في اغتيال العالم النووي مصطفى أحمدي روشن، ولفت إلى أنه لا مانع لدى طهران من أن تستضيف تركيا الحوار بين إيران والدول 5+1 بشأن برنامجها النووي.
وقال لاريجاني إنه «جرى التوصل إلى معلومات بشأن عملية الاغتيال التي طاولت الشهيد أحمدي روشن الأربعاء الماضي، وإلى اعتقال عدد من الأشخاص الضالعين في هذه العملية»، مشيراً إلى أن الرد الإيراني عليها «لن يكون على غرار سلوك هذا الكيان (الإسرائيلي) بارتكاب عمليات إرهابية». وأضاف، معلّقاً على إمكان فرض حظر على صادرات النفط الإيراني، أن هناك «سيناريو معدّاً سلفاً لإيران يرمي إلى الرد على هذا الحظر».
(أ ف ب)