باريس | صدّق مجلس الشيوخ الفرنسي، ليل أول من أمس، على الصيغة النهائية لقانون تجريم إنكار الإبادة التي ارتُكبت بحق الأرمن في العهد العثماني، بين عامَي ١٩١٥ و١٩٢٣. ومثلما كان متوقَّعاً، أحجمت الأكثرية اليسارية التي تحظى بالغالبية المطلقة في مجلس الشيوخ عن تعطيل هذا القانون الذي اقترحته الغرفة البرلمانية الأولى (المجلس الوطني) التي تتحكّم فيها غالبية يمينية موالية للرئيس نيكولا ساركوزي الذي تعمّد إثارة هذه القضية عشية انتخابات الرئاسة لمغازلة الناخبين الأرمن ـــ الفرنسيين، البالغ عددهم بين ٥٠٠ ألف و600 ألف شخص. وكان مرشح اليسار لانتخابات الرئاسة، فرانسوا هولاند، قد استبق تصويت مجلس الشيوخ، وأعلن يوم الأحد الماضي تأييده لهذا القانون، رغم معارضة معظم مثقّفي اليسار الذين رأوا فيه تضييقاً على حرية الباحثين والمؤرخين. وكان الرئيس السابق جاك شيراك قد أقدم على خطوة مماثلة لاستمالة الناخبين الأرمن عشية انتخابات الرئاسة عام ٢٠٠٢، حين سنّ قانوناً اعترف بالمجزرة الأرمنية. ويأتي هذا القانون الجديد ليجرّم بسنة سجن وغرامة ٤٥ ألف يورو أي باحث أو كاتب أو صحافي يشكك في حصول المجزرة الأرمنية، وهو قانون غير مسبوق في فرنسا، ولا يشبهه سوى قانون «غيسو» سنة ١٩٩٠، لتجريم إنكار المحرقة النازية بحق اليهود. وأثار التصديق على القانون الجديد ردود فعل متباينة؛ فالغالبية الموالية للرئيس ساركوزي والمعارضة الاشتراكية أيّدتا القانون. أما مرشح الوسط، فرانسوا بايرو، فقد انتقد القانون بشدة، قائلاً إنه «خطأ فادح، إن على الصعيد السياسي أو من حيث المنطلق التشريعي الذي لا يخوّل البرلمان البتّ في قضايا تاريخية متروكة للباحثين». موقف مماثل عبّرت عنه الأوساط الثقافية، فاعترضت على القانون من منطلق أنه «ليس من صلاحية البرلمان إملاء وجهة نظر رسمية ونهائية للأحداث التاريخية، لأن ذلك يحدّ من حرية الباحثين والمؤرخين».
وكان لافتاً أن وزير الخارجية الديغولي، آلان جوبيه، سعى إلى احتواء الأزمة التي أثارها هذا القانون بين فرنسا وتركيا، فقال «شخصياً أرى أن سنّ قانون مماثل ليس بالأمر الصائب، لكن البرلمان قرر ذلك، وهذه لعبة الديموقراطية القائمة على الفصل بين السلطات، ونأمل أن تتفهّم تركيا ذلك، وألا يكون ردّ فعلها مغالياً. فنحن نحترم تركيا الحليف المهم والقوة الإقليمية، ونحرص على علاقات ودّية معها».
وسبق لهذا القانون أن أثار ردود فعل تركية متشنّجة، تراوحت بين التهديد بإلغاء صفقات تجارية مع فرنسا، والتذكير بجرائم فرنسا في مستعمراتها السابقة، وتحديداً في الجزائر. وبلغ الأمر ببلدية أنقرة إلى حدّ استبدال اسم شارع باريس في العاصمة التركية، ليصبح اسمه شارع الجزائر. أما رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، فقد حمل بشدة على ساركوزي، مذكّراً بأن جدّه اليهودي الذي هُجّر من المجر، لم يجد مأوى يحميه من اللاسامية والاضطهاد العرقي سوى في ظل الدولة العثمانية. وكان الرجل قد تعهّد، أول من أمس، عشية تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي، بألا يزور فرنسا في حياته إذا أُقرّ القانون المذكور.
ويوم أمس، وصف أردوغان النص القانوني بأنه «عنصري وتمييزي»، من دون أن يعلن ردّاً ملموساً، في انتظار أن يصدّق ساركوزي على القانون، علماً بأنه أمام الرئيس الفرنسي مهلة 15 يوماً للتصديق على القانون.
وفي حين أعرب أردوغان عن أمله بأن «تصحح فرنسا خطأها»، فقد كشف أن حكومته تسعى لكي يقوم أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي باللجوء إلى المجلس الدستوري من أجل إلغاء مشروع القانون. لكن رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية برنار أكواييه أعلن أنه لن يرفع إلى المجلس الدستوري القانون رغم التحفظات عليه.