باريس | يبدو أن الخطاب المتشدد الذي اعتمده الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أجل وضع حد لـ«نزيف التدني المتواصل في شعبيته» بدأ يؤتي ثماره. فقد بيّن استطلاع للرأي، نُشر أمس، أن الرئيس الفرنسي يتصدر السباق الرئاسي لأول مرة، بـ 28,5 بالمئة، متقدماً على المرشح الاشتراكي، فرانسوا هولاند، الذي تراجعت شعبيته إلى 27 بالمئة. وأجمع المحللون على أن هذا التطور يعد انعكاساً مباشراً للوعود المتشددة التي أطلقها ساركوزي، الأحد الماضي، خلال تجمعه الانتخابي الضخم في «فيلبانت»، شمالي باريس، حين هدّد بإعادة اغلاق الحدود الفرنسية في حال عجز الدول الأوروبية عن تشديد إجراءات «معاهدة شنغن» لمنع تدفق المهاجرين السريين على القارة العجوز.
ويفسر الخبراء في الشأن الانتخابي الفرنسي المنعطف الذي شكّله «تجمع فيلبانت» بأن ساركوزي «لم يعد يركز جهوده فقط على محاولة استمالة ناخبي اليمين المتطرف، بل قام بتوسيع الدائرة إلى كامل «التيارات السيادية»، التي أوضح الاستفتاء على الدستور الأوروبي أنها تشكل أغلبية في فرنسا، وتشمل قطاعات واسعة من ناخبي اليمين والوسط واليسار».
وكان لافتاً أن ساركوزي قام بمبادرات على صعيد «الوقائية الاقتصادية»، من أجل مواجهة تأثيرات العولمة بإجراءات ضريبية تهدف إلى «حماية السلع والمنتجات الفرنسية من المنافسة غير المتكافئة للسلع الآتية من دول تشغِّل الأطفال، ولا تلتزم بالحد الأدنى من الحقوق النقابية والمزايا الاجتماعية المكفولة للعمال في الدول الأوروبية».
وتلقى أطروحات «الوقائية الاقتصادية» صدى واسعاً لدى «التيارات السيادية» التي ترى في العولمة الليبرالية، الناجمة عن فتح الحدود الأوروبية أمام حرية تنقل السلع، تهديداً لتوازن الاقتصاد الفرنسي. وكان وزير الداخلية الاشتراكي الأسبق، جان بيار شوفنمون، قد حمل هذه الأفكار في انتخابات الرئاسة عام 2002، ما أكسبه شعبية كبيرة. لكن ذلك كان له مفعول عكسي على معسكر اليسار، حيث تسبب في إقصاء المرشح الاشتراكي، ليونيل جوسبان، منذ الدورة الأولى. وخلال حملة الرئاسة، اشترك في الأطروحات الوقائية 3 مرشحين هم اليساري جان ـ لوك ميلانشون، والوسطي فرانسوا بايرو، واليمينية المتطرفة مارين لوبان. وكلٍ من هؤلاء يحظى بتأييد أكثر من 10 % من الناخبين. الشيء الذي جعل مستشاري ساركوزي يتفطنون للجاذبية التي ما تزال «التيارات السيادية» تحظى بها في فرنسا، وبالتالي محاولة اللعب على وتر الوقائية السياسية والاقتصادية. وتقول المصادر المقربة من الإليزيه إن مستشار ساركوزي القادم من صفوف اليمين المتطرف، باتريك بويسون، هو مهندس هذه «الاستراتيجية الوقائية».