نواكشوط | باريس | أعلن الرئيس المالي المخلوع أمادو توماني توري، صباح أمس، استقالته رسمياً، لتتوَّج بذلك مساعي «منظمة دول غرب أفريقيا»، بالاتفاق مع الانقلابيين في مالي لتسليم السلطة للمدنيين، من خلال تولي رئيس البرلمان ديونكوندا تراوري رئاسة البلاد بشكل انتقالي، تمهيداً لإجراء انتخابات وإقامة حكومة وحدة وطنية. ومثلما تنصّ عليه هذه التسوية، عُقد لقاء في مجمع «كاتي» العسكري قرب باماكو، بعد ساعات من استقالة توري، بين الرئيس الانتقالي الجديد تراوري، وزعيم الانقلابيين، أمادو سانوغو، برعاية موفدين من «منظمة دول أفريقيا الغربية»، هما وزير خارجية بوركينا فاسو، جبريل باسولي، ووزير التعاون الأفريقي في ساحل العاج، أمادو بيكتوغو. وقد جرى التوافق على أن يعلن زعيم الانقلابيين شغور منصب الرئاسة بعد الاستقالة الرسمية لأمادو توري، وتعيين تراوري رئيساً مؤقتاً، على أن يُعيَّن الأخير بدوره رئيس حكومة انتقالياً «له كامل الصلاحيات لتشكيل حكومة وحدة وطنية». وقال وزير خارجية بوركينا فاسو، باسولي، بعد الاجتماع: «نأمل تأليف حكومة الوحدة الوطنية بسرعة، وأن تُعقد أول جلسة للحكومة قبل يوم الجمعة المقبل، لتُعلَن خلالها رسمياً خطة استكمال العودة إلى الشرعية الدستورية، وتحديد مواعيد إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية». على أثر هذه التسوية، رأت «منظمة دول غرب أفريقيا» أنّ الانقلابيين في مالي استوفوا شروط العودة إلى الشرعية التي وضعتها المنظمة للتدخل ضد الانفصاليين الطوارق في منطقة الأزواد. بالتالي، أعربت المنظمة الأفريقية عن استعدادها لإرسال قوة إقليمية قوامها 3 آلاف مقاتل لـ«التصدّي للمساعي الانفصالية في شمال مالي». لكن وزير الخارجية البوركينابي أشار إلى أن «تدخُّل قوات منظمة غرب أفريقيا مرتبط بتقديم طلب رسمي من الحكومة الانتقالية المالية بعد إنشائها، وبتوافر الدعم الدولي» لهذه الخطوة.
وتبدو موافقة الحكومة الانتقالية المالية محسومة سلفاً، أما مسألة «الدعم الدولي»، فهي أكثر تعقيداً، ذلك أنّ القوى الغربية لا تريد التدخل علناً أو مباشرة في الصراع العسكري مع الحركة الأزوادية. لكنّ تحرُّك منظمة دول غرب أفريقيا من أجل التدخل في مالي ضد الانقلابيين في البداية، ثم ضدّ انفصاليي «دولة الأزواد» بعدها، جاء بإيعاز من القوى الغربية، وفي مقدمتها فرنسا التي ترى أنّ غرب أفريقيا من مناطق نفودها التقليدية، إضافة إلى الولايات المتحدة التي وقفت أيضاً خلف التحرك للتدخل الخارجي، بعدما تعهدت قيادتها العسكرية الموحدة الخاصة بأفريقيا (Africom) أن تدعم قوات منظومة غرب أفريقيا مالياً ولوجيستياً. معطيات تفسِّر تحرك القوى الإقليمية المعارضة لأي تدخل غربي في المنطقة للبحث عن سبل بديلة لمعاجلة أزمة انفصال الأزواد. من هذا المنطلق، عقد وزراء خارجية مجموعة «دول الميدان»، التي تضم الجزائر والنيجر ومالي وموريتانيا، اجتماعاً طارئاً في نواكشوط، أول من أمس. وكانت «مجموعة الميدان» قد شكّلت هيئة أركان عسكرية مشتركة مقرها في تامنراست، جنوب الجزائر، بهدف تنسيق جهود دول المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب في الصحراء، لقطع الطريق أمام أي تدخل غربي. واقتصر اجتماع نواكشوط على الجزائر وموريتانيا والنيجر، ولوّحت «دول الميدان» بـ«التدخل ضد الانفصاليين في شمال مالي، من منطلق احترام الحدود وعدم المساس بسيادة دول المنطقة». لكن وزير الخارجية الموريتاني، حمادي ولد حمادي، استدرك قائلاً إن «الحل العسكري في شمال مالي يبقى الخيار الأخير، لكننا في النهاية لا نستبعد أي خيار عسكري إذا اقتضت الحاجة». وكان وزير خارجية النيجر، محمد بوعزام، الأكثر حماسةً للتدخل العسكري ضد الحركات الأزوادية، فلفت إلى أن مجموعة دول الميدان «اجتمعت اليوم لأن الوضع الأمني في منطقتنا تدهور كثيراً بعد الأحداث الأخيرة في شمال مالي، فبعد سيطرة الانفصاليين على مدن كيدال وغاو وتمبكتو، أصبح التهديد كبيراً على دولنا، ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي».