أنقرة | وصف المسؤولون الأتراك الاعتداءات التي وقعت أخيراً على الأكراد والعلويين في مناطق مختلفة من تركيا بأنها «حوادث منعزلة» وليست مدبرة. لكن ذلك لم يُشعر هذه الأقليات بالارتياح، ولا سيما مع الشكوك في «حيادية» هذه الأحداث، في ظل التوتر الأمني الإقليمي المتصاعد.واحد من هذه الأحداث وقع في مالاتيا، مدينة في الجنوب حيث قاعدة الدرع الصاروخية التابعة لحلف شماليّ الأطلسي. ويعيش في هذه المدينة سكان من السنّة والعلويين. هناك روايات متعددة لما جرى فيها، لكن المؤكّد أنها بدأت عندما طلب حسن سرحات إفلي، وهو علوي، يوم 27 تموز الماضي، من طبال المدينة مصطفى أن لا يضرب الطبل أمام منزله.
وبحسب عائلة إيفلي، لم يستجب مصطفى لطلب حسن سرحات، وعمد في الليلة التالية إلى قرع الطبل أمام منزله، حتى إنه قرع على باب المنزل مستخدماً عصا الطبل، ما أدى إلى وقوع شجار بين الطرفين. لكن مصطفى يقول إنّه لم يقرع الطبل في اليوم التالي أمام منزل إيفلي، بل في الشارع المقابل، ولكن عائلة إيفلي انزعجت من ذلك، وهاجمته، مدعياً أنهم قالوا له «سنخرس دعوتك للصلاة أيضاً»، وضربوه بوحشية وتفوهوا بمفردات ضدّ الدين، بحسب ما قال.
ولم يكن واضحاً إن كان الطبال موجوداً بين الناس في مقهى بقرية سونغو بمقاطعة مالاتيا، حيث جرى نقاش حول ما جرى وتحريض على عائلة إيفلي. وفي الليلة نفسها، تجمع نحو 200 شخص أمام منزل إيفلي وهاجموه وكسروا النوافذ ورموا البيت بالحجارة وهتفوا بألفاظ معادية للمذهب العلوي، الى أن وصل العناصر الأمنيون الى المكان.
ووفقاً لحاكم مالاتيا، فُتح تحقيق في الحادث، وأصدر بياناً أكد فيه أن «كل شيء على ما يرام»، نافياً ما جرى تداوله على المواقع الاجتماعية بأنّ هناك ضغوطاً تمارس ضدّ العلويين في المقاطعة. وأضاف أنه «جرى اتخاذ الإجراءات الضرورية ضدّ أولئك الذي يحاولون إثارة هذا الحادث المنعزل». وذكرت أنباء عن اعتقال الطبال.
لكن على ما يبدو، فإن الحادث في مالاتيا ليس منعزلاً؛ ففي مدينة أديامان (الجنوبية الشرقية)، تقدّمت نحو 45 عائلة علوية ببلاغ بعدما وجدت على منازلها إشارات حمراء وضعها مجهولون. وقد أوضح حاكم أديمانا، رمضان سويدان، أنّ التحقيقات جارية حول هذا العمل، مشيراً إلى أنه يبدو أن بعض الأولاد هم من وضعوا هذه الإشارات. وأكّد أنه يأخذ الحادث على محمل الجدّ.
من جهته، أعلن رئيس الفدرالية العلوية في تركيا، سلاهاتين أوزيل، في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء الماضي، أن الأقلية العلوية تشعر بالتهديد وهي تخطط للخروج في تظاهرات بأنقرة بأواخر أيلول للدفاع عن حقوقها. كذلك حاول مدير الشؤون الدينية محمدت غورمز، طمأنة الأقليات العلوية، وقال خلال حفل إفطار مع مجموعة من الصحافيين إنه لا أحد يجب أن يتعرض للاعتداء بسبب معتقداته، مشيراً إلى أنه مستعد أن يقف درع بشري أمام منازل العلويين التي جرى وضع إشارات عليها.
لكن رغم تصريحات غورمز، فإن مديرية الشؤون الدينية كانت قد أصدرت بياناً جاء فيه أن المساجد فقط أماكن عبادة، وبالتالي إن الأماكن التي يصلي فيها العلويون، لا يمكن أن تعتبر أماكن عبادة.
هذه الحوادث الأهلية لا تنحصر في المناطق العلوية، فقد وقع في اسطنبول يوم الاثنين الماضي حادث مشابه ضد الأكراد، بعدما هاجمت مجموعة من الشباب عمال بناء أكراداً في أيازا، ونعتوهم بألفاظ عنصرية نابية. وبحسب هؤلاء الشباب، فإن العمال تحرشوا بنساء المقاطعة. ووقعت اشتباكات ليلية بين الطرفين، قبل أن تتمكن الشرطة بصعوبة من استعادة الهدوء، بعدما أرسلت العمال الى بلداتهم تحت حراسة مشددة.
وأكد المحامي ورئيس منظمة حقوق الإنسان بتركيا أوزتورك توركدوان في حديث لـ«الأخبار» أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الأكراد للاعتداء في المدن الكبيرة على خلفية عنصرية، وأن الحوادث ضدّ العلويين والأكراد ليست منعزلة، «بل على العكس فهي حوادث منظمة». وأضاف أن «هناك حقيقة معروفة بوجود عصابات منظمة تعمل في السرّ، والحكومة لا تقاتلها. وهذا يحصل لأن تركيا غير قادرة على تحسين الديموقراطية. الوضع مخيف».