فيما تحدّث مصدر في القوة المتعددة الجنسيات التابعة للمجموعة الاقتصادية في أفريقيا الوسطى، بأن المجموعة تريد جمع المتحاربين على طاولة مفاوضات في 10 كانون الثاني، عززت هذه القوة من انتشارها الذي بدأ منذ عام 2008، في بلد وصل فيه المتمردون الى مشارف العاصمة بانغي في عملية تهديد واضحة للرئيس.
المصدر، الذي تحدث لوكالة «فرانس برس»، أوضح أن البعثة التي تضم ستة أشخاص بقيادة الأمين العام المساعد للمجموعة الاقتصادية الجنرال غي بيار غارسيا (الكونغو برازافيل)، وصلت أول من أمس إلى العاصمة بانغي، وبدأت محادثات مع السلطة هناك، بينما أرسلت وفداً الى نديلي للقاء المتمردين.
وفي الوقت نفسه، عقد وزراء خارجية دول المجموعة اجتماعاً أمس في ليبرفيل لمناقشة الأزمة في افريقيا الوسطى، حسبما قال مصدر في وزارة الخارجية الغابونية. وبدا أن تقدّم متمردي سيليكا باتجاه العاصمة هذا الاسبوع قد أثار جدلاً واسعاً خلال الاجتماع، حيث دان وزير خارجية الغابون، ايمانويل ايسوزي نغونديه، هذا التقدم، وطلب من المتمردين الانسحاب فوراً من المدن التي احتلوها.
وعشية الهدوء الذي ساد بانغي أمس، أعلنت الولايات المتحدة أنها أغلقت سفارتها في جمهورية افريقيا الوسطى، وأجلت سفيرها وطاقمه الدبلوماسي بسبب الاضطرابات الامنية التي يشهدها هذا البلد. وبحسب قول المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، تود بريسيل، فإن «القيادة الأميركية في أفريقيا آزرت عملية اخلاء سفارة الولايات المتحدة في بانغي»، ولا سيما عبر «تأمين نقل رعايا أميركيين وأجانب الى أماكن آمنة في المنطقة».
أما السفارة الفرنسية، التي هاجمها شبان بالحجارة قبل يومين، فيتولى الجيش الفرنسي حمايتها، بينما يقوم موظفون بجمع الحجارة التي رُشِق بها المبنى في 26 كانون الاول.
ويبدو أن الدورين الأميركي والفرنسي في هذا البلد جد مهمين وفاعلين، هذا ما يمكن استنتاجه من دعوة الرئيس بوزيزي كلاً من واشنطن وباريس لمساعدته، لكن عزلته تزداد على ما يبدو، لأن فرنسا أكدت انها لن تتدخل ولم يهبّ أي بلد مجاور لنجدته. ففرنسا دانت «استمرار الأعمال العدائية التي تقوم بها حركات التمرد»، مشددة على ضرورة تسوية الأزمة «بالحوار».
في المقابل، ثمة من يرفض السياسة الفرنسية في البلاد. هذا ما جاء على لسان موظف جمارك تحدث لـ «فرانس برس» قائلاً «تريدون نفطنا وثرواتنا الباطنية لكن يوماً ما سنهاجمكم وسنقتل أحدكم ونجبركم على الرحيل». موقف شعبي كرّره عدد من سكان العاصمة للصحافي ولفرنسيين آخرين.
وخلال تظاهرة شاركت فيها نحو 300 امرأة انطلقت أمس لتدعو إلى السلام بدعوة من منظمات قريبة من النظام الحاكم، قالت ايستيل لوكا، وهي ربة منزل وام لثلاثة أولاد، «بلدنا في خطر. نريد السلام. انهم يقتلون اخوتنا في عمق البلاد. يجب ان توقف سيليكا المعارك». وأضافت «يجب على فرنسا أن تدافع عنا. بعضهم مستاؤون من فرنسا لأنها لا تدافع عنا. يجب ان تأتي فرنسا لنجدة جمهورية افريقيا الوسطى». وقال طالب إن «فرنسا لم تحترم اتفاقية الدفاع التي ابرمتها مع جمهورية افريقيا الوسطى. إننا نندد بهذا الموقف».
وكان لفرنسا، القوة الاستعمارية سابقاً، قاعدة عسكرية كبيرة في افريقيا الوسطى لفترة طويلة، لكن الرئيس فرنسوا هولاند أعلن أول من أمس ان مهمة العسكريين الفرنسيين الـ250 الذين لا يزالون في مطار بانغي، لا تتمثل في «حماية النظام».
والواضح أن الوجود الفرنسي على علاقة بثروات البلاد وما تخلقه من فرص عمل واستثمار، فهناك نحو 1200 مواطن فرنسي يعيشون في الجمهورية معظمهم في العاصمة، حيث يعملون عادة لحساب شركات التعدين أو جماعات الإغاثة، حسب بيان لوزارة الخارجية الفرنسية. كذلك، تعمل مجموعة «أريفا» الفرنسية في مجال الطاقة النووية باستخراج اليورانيوم في باكوما في جنوب جمهورية أفريقيا الوسطى وهي أكبر المصالح التجارية لفرنسا في مستعمرتها السابقة.
وللعلم فإن ائتلاف سيليكا المتمرد (التحالف بلغة السانغو، اللغة الوطنية) لم يحمل السلاح في وجه السلطات إلّا في العاشر من كانون الأول الحالي، مطالباً «باحترام» اتفاقات السلام المبرمة في 2007 و2011، التي قال ان السلطات لم تتقيد بها.
وقد سيطر هذا الائتلاف، خلال اسبوعين على عدة مدن استراتيجية، بريا (الغنية بمناجم الالماس في وسط البلاد) وبمباري (الغنية بمناجم الذهب في جنوب الوسط) ثم كاغا بندورو (شمال الوسط) واقترب على نحو خطير من بانغي من الشمال والشرق. وتقدم المتمردون مستخدمين دراجات نارية وشاحنات خفيفة حتى مسافة 75 كيلومتراً من بانغي بعد قتال استمر أسابيع، مهددين بوضع حد لحكم الرئيس بوزيزي المستمر منذ عشر سنوات.
لكن الجيش النظامي المفتقر الى التجهيزات والتنظيم ومعنوياته محبطة، لم يُبد الا قليلاً من المقاومة. وواصل التمرد تقدمه رافضاً مغادرة المدن الخاضعة له من دون اتفاق مسبق على وقف اطلاق النار. لكن رئيس البلاد لا يبدو مستعداً لابرام اتفاق مماثل.
وفي ما يتعلق بدور جمهورية تشاد المجاورة، فإن لواءً من الجيش التشادي وصل الاسبوع الفائت «كقوة فصل»، بحسب نجامينا، على محور الطرقات الأخير المؤدي الى بانغي. وقد يمثل الجنود التشاديون المتدربون على القتال والأفضل تسليحاً المتمركزون على المحورين الأخيرين في مدينتي سيبوت (130 كيلومتراً) ودمارا (60 كيلومتراً) العقبة الأخيرة قبل اي انتصار للمتمردين، بالرغم من الغموض حول عديد هؤلاء وتجهيزاتهم.
وسبق ان ارسلت تشاد المتحالفة تاريخياً مع بوزيزي قواتها الى البلاد عام 2003 لمساعدته على تولي الحكم، ثم في 2010 لمواجهة حركات تمرد في الشمال.
وكانت افريقيا الوسطى تخوض منذ 2007 عملية سلام بعد سنوات من الاضطرابات ومختلف حركات التمرد والانقلابات العسكرية. وكانت مهمة القوة المتعددة الجنسيات، التي تشكلت في 2008، تتمثل في المساعدة على ارساء السلام في بلد دمرته سنوات من الحروب الأهلية وحركة تمرد، وتضم 500 جندي من الغابون والكونغو الديموقراطية وتشاد والكاميرون وبدأت تنسحب تدريجياً من افريقيا الوسطى، التي يفترض ان تغادرها نهائياً بحلول 31 كانون الأول 2013.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)