تونس| ها قد أصبحت تونس مزاراً لمسؤولي العالم وقادته، بعدما ظلت منذ استقلالها على هامش الأحداث السياسية الدولية. فمن كان ينتبه إلى بلد لا ينام فوق مدّخرات ضخمة من الموارد الطبيعية؟ تونس لم تكن لها ثروات منجميّة أو نفطية، لكن لها ثروات بشرية حققت بها «الثورة من أجل الحرية والكرامة الإنسانية»، التي جعلتها محطّ الأنظار. وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون حطّت أمس في تونس لتجد في استقبالها وزير الشؤون الخارجية، المولدي الكافي، وبضع عشرات من التونسيين الغاضبين الذين قضوا طيلة اليوم يتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة، رافعين شعارات مناهضة لسياسة أميركا ولتدخلها في «الشأن التونسي». المحتجّون عبّروا كذلك عن استغرابهم لعدم اتخاذ البيت الأبيض «أي موقف ثابت وحازم إلى جانب الشعب الليبي».
هيلاري كلنتون استهلت نشاطها أمس بزيارة للمركز الوطني لتأهيل المتطوعين التابع للهلال الأحمر التونسي ،معبرة عن «إكبارها للعمل الملحوظ الذي يقوم به الهلال الأحمر التونسي ومتطوعوه في مجال المساعدات الإنسانية على الحدود التونسية الليبية». وسلمت المركز سيارة إسعاف مزودة بتجهيزات طبية، قالت إنها «هدية من الشعب الأميركي».
الشعب الأميركي لم يجد من هدية للتونسيين سوى سيارة إسعاف، في وقت ظلّت فيه الإدارة الأميركية تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان، التي مارسها نظام بن علي بطريقة ممنهجة بحق الشعب التونسي.
ورغم ذلك، جاءت كلينتون إلى تونس، التي أطلقت شرارة الثورات العربية، لتحاضر عن الإصلاح. وحثت على «إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية». وأضافت ان «الحكومة التونسية الجديدة تدرك تماماً أنه يجب وضع خطة تنمية اقتصادية وأخرى (من أجل توفير) العمل». وقالت «سأرسل وفداً من الولايات المتحدة لمعرفة ما تريده تونس»، موضحة «لا نريد أن نأتي ونقول: هذا ما تراه الولايات المتحدة». وأعلنت عن عقد «مؤتمر للبلدان المانحة في غضون بضعة أشهر»، بعدما كان من المقرّر عقد مؤتمر دولي للبلدان المانحة لتونس الشهر الجاري، بدعم من الاتحاد الأوروبي، لكنه أُجّل بطلب من تونس.
كلينتون اختارت تنظيم حلقة تلفزيونية «توك شو» مع عدد من الصحافيين والمدونين بقناة «نسمة تي في» الخاصة، التي عمدت إلى حصر عدد الصحافيين والمدونين المشاركين، وألغت حضور آخرين رغم توجيه الدعوات، خشية إحراج الضيفة الأميركية، التي ألغت الحلقة في النهاية للتوجّه إلى مجلس الأمن وحضور التصويت على مشروع قرار الحظر الجوي فوق ليبيا.
الخشية من الإحراج نابعة من التظاهرات التي شارك فيها مئات الأشخاص تعبيراً عن رفضهم للزيارة. وتجمع عشرات الشبان في وسط العاصمة، ثم أمام مقر وزارة الخارجية التونسية للتعبير عن تنديدهم بالزيارة، رافعين شعارات منها «كلينتون ارحلي»، ومعربين عن رفضهم لكل «وصاية أميركية».
وتبدو أطراف المعارضة التونسية شبه مجمعة على أن تونس «بلد منفتح وسيد»، وأن العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة يجب أن تقوم على «الندّية». وقالت راضية النصراوي المحامية والناشطة الحقوقية إن «التونسيين قاموا بثورتهم بوسائلهم الخاصة، وهم قادرون على بناء تونسهم الجديدة دون تدخل أي كان» من الخارج.