يبدو اليمن اليوم في حالته غير المستقرة أرضية مغرية للاعبين دوليين يرون في الممر البحري المهم الذي يسيطر عليه، ممثلاً بمضيق باب المندب، وجهة متاحة لوضع قدم عليها، وما التحرك البريطاني ــ الإيراني الأخير في البحر الأحمر وخليج عدن سوى إشارة إلى ما يحدثيبدو أن اليمن صار ملعباً مفتوحاً لأكثر من طرف دولي يود الاستفادة من حالة عدم الاستقرار التي يدور فيها منذ اندلاع ثورة الشباب اليمنية أوائل شباط الماضي. وتكرست هذه الحالة بنحو أكثر وضوحاً بعد حادثة الانفجار التي حصلت في المسجد التابع لدار الرئاسة الجمعة الماضية، واتضح أنها كانت محاولة اغتيال للرئيس علي عبد الله صالح.
بناءً على ذلك، دخلت البلاد حالة جديدة، دفعت دولاً عديدة للتفكير عملياً في محاولة وضع قدم لها على خريطة اليمن، وخصوصاً على خليج عدن والبحر الأحمر، باعتبار أهميتهما كمنفذين حيويين يقعان تحت تهديدات سيطرة عناصر من تنظيم «القاعدة» عليهما لتسهيل عمليات تسلل مقاتلين عبره إلى الضفة اليمنية. وكانت بريطانيا سباقة في اتخاذ خطوة باتجاه تدعيم وجودها في اليمن، من طريق إرسالها سفناً حربية رست قبالة خليج عدن. وفيما أكدت وزارة الدفاع البريطانية أن بعثة تقويم عسكرية بريطانية انتشرت بالقرب من اليمن، سارعت مصادر بحرية إلى نفي ما قيل عن أن سفينة الدعم البحري (فورت فيكتوريا) التي تضم 80 جندياً من مشاة البحرية الملكية، جاءت لإجلاء رعايا بريطانيين مقيمين في اليمن، وخصوصاً أن الخطوة أتت بعد أيام معدودة من خفض بريطانيا لبعثتها الدبلوماسية في اليمن.
كذلك فإن تحذير وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، من تداعيات عدم الاستقرار التي يشهدها اليمن على الأمن القومي لبريطانيا، وتأكيده ضرورة منعه «من الدخول في زمرة الدول الإرهابية حماية لمصالحنا»، جعل من حجة إجلاء الرعايا تبدو واهية، وخصوصاً مع بقاء المجال الجوي في اليمن مفتوحاً بمطاريه في صنعاء وعدن، وبالتالي يكون استخدام الإجلاء الجوي هو الأقرب للتحقق عملياً.
من جهته، نفى المدير العام لخفر السواحل في قطاع خليج عدن، العقيد عبد الرحمن موسى، ما جاء في وسائل إعلام عن رسو سفن بريطانية خارج ميناء عدن للقيام بعملية إجلاء رعاياها، مؤكداً أن «مثل هذه الحالات لن تمر حركتها إلا بعد التقاط الأجهزة التقنية والرادارية التي تعمل بالرصد الملاحي لحركة الملاحة الدولية في المياه الإقليمية اليمنية»، مشيراً إلى أنه إذا وجدت مثل هذه الحالات فإنها ستكون مرتبة فنياً وخاضعة للقنوات السيادية ومصرحاً لها وبمعرفة مبكرة لإجراء الترتيبات الأمنية والتقنية لتأمينها أسوة ببقية دول الجوار والعالم.
لكن جاء هذا النفي مخصصاً لجهة وجود سفن عادية مهمتها إجلاء رعايا، ولم ينف وجود سفن أخرى قدمت من إيران ترافقها غواصات إيرانية في مهمة استكشافية حول بوارج حربية لدول أخرى وعمق المياه الدولية، بحسب ما أوردته وكالة «فارس» شبه الرسمية في إيران.
في هذا السياق، قال الخبير في شؤون العلاقات اليمنية البريطانية، أحمد الميتمي، إن الاهتمام البريطاني باليمن وبالجنوب خصوصاً قد ظهر جيداً على السطح منذ عام 2004، وتطور مع عقد مؤتمر المانحين في لندن لمدّ يد المساعدة للجمهورية اليمنية لعدم سقوطها في شبح الدول الفاشلة. وأكد الميتمي أن «اهتمام بريطانيا يبدو أكثر وضوحاً من خلال دعمها لفكرة وضع قدمها مجدداً واستعادة تاريخها القديم في المنطقة».
كذلك لا يمكن القفز عن مسألة بقاء الأراضي البريطانية مفتوحة لإيواء معارضين جنوبيين منذ بداية الحراك الجنوبي ومدهم بدعم يمكنهم من التواصل مع قيادات الحراك الجنوبي في الداخل. ويمكن النظر إلى هذا الدعم عبر إمكان قبول بريطاني لفكرة فك الارتباط مع دولة الشمال، أو حتى الذهاب إلى الفدرالية مع حكم ذاتي تجري عبره إعادة ترتيب أوراق الجنوب بعيداً عن السلطة المركزية في صنعاء. أما بالنسبة إلى التحرك الإيراني بهذا الخصوص وإرسال بوارج بحرية عبرت خليج عدن واستقرت الآن في البحر الأحمر، فلا يمكن فصل هذا أيضاً عن الاهتمام الإيراني السابق بوضع موطئ قدم لها في هذه المنطقة البحرية الهامة من العالم. كذلك لا يمكن القفز عن تلك المعلومات التي ربطت بين التحرك السعودي في حرب الدولة اليمنية مع جماعة الحوثي عام 2009، بل جاءت بناءً على تصورات مسبقة عند جماعة الحوثي بمد خريطة الاشتباكات ناحية الجنوب باتجاه البحر الأحمر عبر منطقة ميدي الساحلية، وذلك عبر تخطيط مشترك مع إيران للسيطرة على هذه المساحة، وتركها تحت تصرف الإيرانيين كمعبر يُمَدّون من خلاله بالسلاح. وعلى الرغم من النفي الإيراني لهذه الأخبار في وقتها، لكن لا يمكن فصل هذا التحرك الجديد لبوارجها البحرية عن المعلومات السابقة.
من جهة ثانية، على صعيد إشكاليات الحدود اليمنية البرية المفتوحة على اتساع شاسع، قالت وزارة الداخلية السعودية أمس إن رجلاً لم تحدد جنسيته قتل اثنين من حرس الحدود السعودي وأصاب ثالثاً أثناء محاولته عبور حدودها إلى اليمن. ووقع تبادل إطلاق النار في منطقة نجران بعد منتصف الليل على الحدود المليئة بالثُّغَر مع اليمن، التي يستخدمها أحياناً مهربون ومهاجرون غير شرعيين ومتشددون إسلاميون. وتجدر الإشارة إلى أن منطقة الاشتباك الذي حدث هي منطقة الوديعة، وهي آخر أرض يمنية تنازلت الحكومة اليمنية عنها رسمياً في اتفاق وُقِّع عام 2005 ولقي انتقادات واسعة في حينه من المعارضة اليمنية التي عدّته تفريطاً جديداً بالسيادة اليمنية على أراضيها.
(الأخبار)