طهران لمباحثات «مفيدة» وتهدد باستهداف «ديمونا»

تميّز الرد الإيراني على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، بموقفين أحدهما يكرّر الموقف التقليدي الذي يؤكد «عدم التراجع عن البرنامج النووي قيد أنملة»، والآخر يفتح المجال أمام محادثات «إيجابية ومفيدة» مع الغرب
فيما شدد الرئیس الإیراني محمود أحمدي نجاد، أمس، على السير قدماً في طريق البرنامج النووي السلمي لبلاده، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن إيران لا تزال مستعدة لإجراء مفاوضات مع القوى العالمية المعنية بشأن برنامجها النووي. لكن موسكو انبرت للوقوف إلى جانب طهران، معلنة على لسان وزارة الخارجية أنها لن تساند أي عقوبات صارمة جديدة على طهران.
وغداة تسريب مضمون تقرير يتخذ طابع السريّة عن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، يشير إلى«مخاوف جدية» من عسكرة برنامج إيران النووي، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست: «أعلنا بالفعل أننا مستعدون لإجراء مفاوضات إيجابية ومفيدة. لكن كما سبق أن قلنا مراراً، شرط نجاح تلك المحادثات هو أن ندخلها في جو من المساواة والاحترام لحقوق الشعوب».
وكان الرئيس الإيراني قد كرّر أمام حشد من أهالي مدینه شهركرد (وسط إیران)، «أن الأعداء یتّهمون بوقاحة الشعب الإیراني بتبني الإرهاب وصنع القنبلة النووية»، مشدداً على موقف بلاده التقليدي، أنه «لن نتراجع قيد أنملة على الطريق التي سلكناها» في طريق إنتاج الطاقة النووية السلمية.
لكن الرد القاسي جاء على لسان مساعد قائد أركان القوات الإيرانية الجنرال مسعود جزايري، الذي توعّد «بتدمير» إسرائيل إذا هاجمت منشآت إيران النووية. وقال لقناة «العالم» التلفزيونية الإيرانية إن «محطة ديمونا (النووية الإسرائيلية) هي أسهل موقع قد نستهدفه، ولا تزال لدينا المزيد من القدرات، وإذا حصل أدنى تحرك إسرائيلي (ضد إيران)، فإننا سنشهد تدميره».
بدوره، أعلن ممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، علي أصغر سلطانية، أن بلاده «لن تتخلى أبداً عن حقوقها المشروعة» في امتلاك برنامج نووي سلمي، لكنها «كدولة تقدّر المسؤولية» ستواصل «احترام التزاماتها في إطار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية» التي تنص على وضع نشاطاتها تحت مراقبة وكالة الطاقة.
واتّهم سلطانية المدير العام لوكالة الطاقة بأنه تصرف بنحو «منحاز ومسيّس وغير محترف»، مضيفاً أن طهران تنوي تنسيق «ردّها» مع دول أعضاء أخرى تعارض نشر هذا التقرير، وفي مقدمها روسيا والصين ودول عدم الانحياز.
وأظهر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران بدأت نقل مواد نووية إلى منشأة تحت الأرض لممارسة أنشطة نووية حساسة، وهو تطور يرجح أن يزيد الشبهات الغربية في أن طهران تحاول إنتاج سلاح نووي. وأشار التقرير أيضاً إلى أن إيران واصلت تخزين كميات من اليورانيوم المنخفض التخصيب، فيما قالت مؤسسة بحثية أميركية رفيعة المستوى إن لدى إيران ما يكفي من هذه المادة لإنتاج أربعة أسلحة نووية إذا جرت تنقيتها لدرجة أعلى.
ووردت معلومات عن أن إيران نقلت الشهر الماضي «أسطوانة كبيرة» تحتوي على يورانيوم منخفض التخصيب إلى موقع «فوردو» تحت الأرض قرب مدينة قم جنوبي طهران، بينما أظهر التقرير الدولي أن إيران انتهت من تركيب مجموعتين، كل منهما تضم 174 جهازاً لتنقية اليورانيوم إلى درجة نقاء الانشطار، التي تبلغ 20 في المئة في «فوردو». ولم يبدأ تشغيل أجهزة الطرد المركزي بعد. أما أهم ما توصل إليه تقرير الوكالة، فهو أن إيران عملت في ما يبدو على تصميم رأس حربي نووي وأن الأبحاث السرية المرتبطة بالتسلح قد تستمر.
وبعد نشر تقرير الوكالة الدولية حذرت الولايات المتحدة من أنها ستشدد الضغط على إيران، وقد تطلب استصدار عقوبات جديدة، بينما رأى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه من جهته أنه باتت «ضرورية» إحالة الملف على مجلس الأمن الدولي. وقال مسؤول أميركي: «إننا لا نسحب أي خيار عن الطاولة حين نبحث في عقوبات. نعتقد أن هناك مجموعة واسعة من التحركات التي يمكننا القيام بها»، مضيفاً: «نتطلع إلى تشديد ضغوطنا، كذلك نحن حرصاء على التنسيق مع الدول الأخرى».
أما جوبيه، فقال لإذاعة فرنسا الدولية: «نحن مصممون على التحرك، ولا بد من أن يدين مجلس حكام الوكالة الذرية (خلال اجتماعه الأسبوع المقبل) تصرفات إيران»، مشدداً على أن «فرنسا مستعدة مع جميع الدول التي ستحذو حذونا لإقرار عقوبات ذات حجم غير مسبوق... إذا رفضت إيران التزام مطالب الأسرة الدولية ورفضت أي تعاون جدي».
كذلك، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، إن بلاده تبحث مع حلفائها الدوليين كيفية زيادة الضغط على إيران، مضيفاً أمام البرلمان أنه «يجب أن تغير إيران اتجاهها». لكن روسيا استبعدت تأييد فرض عقوبات جديدة على إيران رغم التقرير الدولي، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف لوكالة إنترفاكس الروسية للأنباء، إن «أي عقوبات إضافية على إيران سيفسرها المجتمع الدولي على أنها وسيلة لتغيير النظام في طهران». وأضاف: «هذا الأسلوب غير مقبول بالنسبة إلينا، وروسيا لا تعتزم دراسة هذا الاقتراح».
بدورها، جددت الصين دعوتها إلى حل المسألة النووية الإيرانية من طريق الحوار، ودعت إيران إلى إظهار المرونة والصدق والجدية في التعامل مع وكالة الطاقة، محذرة من إثارة الاضطرابات في الشرق الأوسط. ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن المتحدث باسم وزارة الخارجية هونغ لي، قوله إن الصين تعارض الانتشار النووي ولا توافق على أن تقوم أي دولة في الشرق الأوسط بتطوير أسلحة نووية.
وفي بروكسل، أعلنت المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، أن «تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الجديد يزيد بنحو خطير من المخاوف الحالية بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني؛ إذ يشدد بصورة خاصة على المعلومات الموثقة التي بحوزة وكالة الطاقة عن أبعاد عسكرية محتملة للبرنامج النووي الإيراني».
(أ ف ب، مهر، إرنا، رويترز، يو بي آي)