بات عادل عبد المهدي أقرب المرشّحين المطروحة أسماؤهم للظفر بمنصب رئيس الوزراء المقبل. إجماع دولي وإقليمي على الرجل، ترافقه رغبة محلية في البحث عن مشتركات في الرؤى السياسية، من شأنها إرساء منهج «التوافق»، وإعادة إحياء العملية السياسية المعطّلة في البلاد منذ إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة في 12 أيار/ مايو الماضي. انتخاب الكتل النيابية، يومي السبت والأحد الماضيين، لـ«هيئة رئاسة البرلمان»، شكّل دافعاً لتسريع إتمام الاستحقاقات المقبلة: اختيار رئيس للوزراء، انتخاب رئيس للجمهورية، تشكيل الحكومة الاتحادية، لملء الشغور الضارب في أطناب مؤسسات الدولة، والبدء ـــ بشكل يؤمل أن يكون جدّياً ـــ بتحسين الواقع المعيشي السيّئ عبر حزمة من المشاريع الإنمائية والإصلاحية.حتى اللحظة، حظوظ عبد المهدي مرتفعة. ما من «فيتو» دولي أو إقليمي أو حتى محلي يعرقل مسيرة الرجل لنيل رئاسة الوزراء. وحده زعيم «تيار الحكمة»، عمار الحكيم، من يقف، الآن، عائقاً أمام تسمية عبد المهدي. المطلعون على مسار المفاوضات القائمة يؤكدون أن الحكيم «لم يَستسِغ مبدأ التوافق»، لتعارض ذلك مع دعواته المتكررة إلى تشكيل حكومة تقابلها قوى معارضة. ويضيف المطلعون، في حديثهم إلى «الأخبار»، أن الحكيم أراد «عملية سياسية من معسكرين، تعزّز من حضوره في المشهد العراقي»، وتكرّس ما يتطلّع إليه من أن يكون «بيضة قبّان» اللعبة السياسية، والطرف الذي تتقاطع عنده المصالح. وتذهب المصادر إلى القول إن «القوى السياسية عازمة على المضي في التوافق في عملية تسمية رئيس الحكومة وتوزيع الحقائب»، في وقت يتشبّث فيه الحكيم بموقف معارض، معلناً رفضه المشاركة في أي تركيبة حكومية من هذا النوع، ومشيعاً أن «الكتل السياسية تسعى إلى استبعاده من التركيبة المقبلة». خلال الساعات الماضية، حرص فريق الحكيم على تسريب أخبار تؤكد أن القوى السياسية قد تستبعد «الحكمة»، في حين نفت مصادر سياسية متعددة هذه الأنباء، مشدّدة في حديثها إلى «الأخبار» على أن «النسيج السياسي من شيعة وسنّة وكرد يطمح إلى مشاركة الحكيم في الحكومة المقبلة، فهو جزء من التوافق، ومشاركة تياره تثبيت لمبدأ الشراكة».
المالكي «مرتاحٌ على وضعه» فيما العبادي «قلق من خسارة مدوية»


وفيما يؤكد البعض أن خيار عبد المهدي حظي بـ«مباركة» النجف (مقر الحوزة الدينية)، فإن آخرين يرفضون أي حديث كهذا، في انتظار موقف «حاسم» مطلع الأسبوع المقبل. بدورهم، ينقل مطلعون على مناخات النجف أن المرجعية الدينية (آية الله علي السيستاني) لا تضع «فيتو» على شخص بعينه دون آخر، بل هي «مع أي شخص تتوافر فيه الشروط والضوابط (التي سبق أن حددتها في خطبتها الشهيرة قبل شهرين تقريباً)، ويعتبر مورداً للتوافق في الفضاء الوطني». إذاً، «مباركة» غير مباشرة أبدتها النجف إزاء خيار عبد المهدي، ما يمنح الرجل أفضلية على منافسه مستشار الأمن الوطني السابق فالح الفياض، الذي لا يزال خياراً مطروحاً، خصوصاً أن المفاوضات ـــ على حدّ تعبير مطلعين على مسارها ـــ كـ«البورصة»، قد تشهد تغيّراً في «ربع الساعة الأخير»، إلا أن سيناريو كهذا «لا يزال مستبعداً، لا سيما أن عبد المهدي يشكل في الوقت الحالي نقطة التقاء بين واشنطن وطهران في العراق»، مع إصرار المعنيين في العاصمتين على المضي بخيار «توافقي» لا يمكن أن يعتبر «كسراً» لأيّ من حلفائهما في بلاد الرافدين.

أين «الدعوة»؟
بات محسوماً أن «حزب الدعوة الإسلامية» قد خسر منصب رئاسة الوزراء. الجناحان المتصارعان برئاسة الأمين العام للحزب نوري المالكي، ورئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، في موقفين متفاوتين؛ الأوّل «مرتاح على وضعه»، فيما الثاني «قلق من خسارة مدوية». «شورى الدعوة» تدرك أن النزاع أخرج السلطة من قبضتها، لذا يحاول القياديان عبد الحليم الزهيري وطارق نجم ترتيب «البيت الدعوي الداخلي»، للإبقاء على الحضور القوي للحزب في مفاوضات التشكيلة الحكومية المقبلة.
ينقل مَن حضر اجتماع قادة «الدعوة» الأخير، قبل أسبوعين تقريباً، أن العبادي حذر المالكي من أن «الفِرقَة قد تخرج السلطة من أيدينا»، داعياً إياه إلى «الوحدة لمواجهة الاستحقاق والبقاء في السلطة»، إلا أن جواب المالكي كان واضحاً: «ما من مشكلة في خروح الحكم من الحزب». صُدم العبادي بردّ المالكي. ما جرى حينها يؤكّد أن «فرص التئام الأجنحة قريبة إلى العدم». ولئن تمسّك البعض بتفاؤل بعودة الجناحين إلى سقف واحد، مع ما يعنيه ذلك من تولّد حالة من المنافسة على ساحة المفاوضات قد تعيد الأخيرة خطوات إلى الوراء، إلا أنه «ما من إشارات حقيقية تشي بإمكانية حدوث ذلك».
المالكي، العازف عن الترشح لولاية ثالثة، «ملتزم بضوابط المرجعية، وبأي تسوية بين الكتل النيابية». هذا ما يقوله مقرّبون منه، مشددين في حديثهم إلى «الأخبار» على أن الرجل لن يكون في المعارضة، بل في قلب العملية السياسية، مشارِكاً في الحكومة التي ستُشكّل قريباً. أما العبادي، فعلى نقيض من حال المالكي، خرج من الحكم بعد وعودٍ بضمان الولاية الثانية، على رغم محاولات بعض مقرّبيه الترويج لكونه لا يزال منافساً على منصب رئاسة الوزراء. العبادي، وفق معلومات «الأخبار»، أمام استحقاق أساسي هو لملمة «ائتلاف النصر»، وإعادة هيكلته، وإن فشل في تحقيق ذلك، فسيكون أمام مشهد قاس: الخروج من الحكم، والبحث عن حلفاء يعزّزون من حضوره، بعد أن سقط عنه الغطاءان الأميركي والإيراني.