تقدّر قوّة الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت ضمن دائرة كيلومتر واحد بزلزال يفوق ثمان درجات، بينما يقدّر فعله العام بحدود أربع درجات ونصف الدرجة. لم يكن هذا الانفجار هو الوحيد من نوعه في العالم، وإن كان الأقوى مقارنة مع انفجارات مماثلة لجهة قوّته التدميرية وصداه الذي اجتاز 80 كيلومتراً في لبنان جنوباً وشمالاً وشرقاً وإلى قبرص غرباً.
كوارث مماثلة
من بين الانفجارات المماثلة، هناك انفجار تولوز في 2001 الذي حدث في مخزن يحوي 300 طن من نيترات الامونيوم. قُدّرت قوّة هذا الانفجار بما يعادل 20 - 40 طناً من مادة الـTNT. وبحسب تقرير المفتشية العامة للبيئة، فإن ما بين 40 و80 طناً من نيترات الأمونيوم هي فقط التي انفجرت. يومها اشتعلت النيران في مبنى مجهّز لتخزين نيترات الأمونيوم ليس فيه نظام إنذار مبكر لكشف أكسيد النيتروجن، ما أدّى إلى مقتل 30 شخصاً وإصابة 2500 شخص.
والحادثة الأقرب لما حصل في بيروت، حصلت في مرفأ تكساس عام 1947 حيث كانت الباخرة Grandcamp محمّلة بنحو 2300 طن من نيترات الأمونيوم، واكتُشف دخان يتصاعد من حمولتها عند الثامنة من صباح 16 نيسان 1947. محاولات إطفاء الحريق امتدت لساعة خلالها تجمهر الناس على الخطّ البحري مفترضين أنهم بمأمن، ثم انفجرت مادة نيترات الامونيوم موقعة نحو 581 قتيلاً و5000 جريح ومحدثةً دماراً هائلاً.
لحقت أضرار واسعة بقطاعات السكن والتجارة والصناعة والبنى التحتية. فقد نزح 40% من سكان تكساس وبقي 2000 مواطن من دون مأوى بعدما تحوّل 539 منزلاً إلى مساكن غير آمنة. الأكثر تضرراً كانت مجتمعات الأقليات الإسبانية والسوداء. كما تحطمت 1100 سيارة بالكامل، وطاولت الأضرار المدارس والأملاك البلدية. وتضرّر نحو 130 متجراً للبيع بالتجزئة وفقدت جزءاً أو كل مخزوناتها. وتدمّرت الأحواض والمكاتب والمعدّات في المرفأ. كما فُقدت ثلاث سفن أيضاً. كذلك تضرر مصنع ستيرين (styrene)، وصهاريج تخزين مصفاة النفط.
شكّل التطوّع أساس عمليات إعادة البناء. نظّمت عمليات تطوع للكشف على المباني المتضررة شملت 120 مبنى تجارياً و3500 مبنى سكني. وتطوّع نجارون من هيوستن وباقي المجتمعات المحلية، بإصلاح المنازل المتضرّرة جزئياً، وبعد ستة أشهر تم إصلاح جميع الوحدات السكنية القابلة للإصلاح، وفي غضون عام تم بناء 500 وحدة سكنية للعائلات التي فقدت منازلها بشكل دائم.
شركات الشحن الصينية تصنّع 96% من حاويات نقل البضائع في العالم


توزّع تمويل إعادة إعمار قطاعات الصناعة والبنى التحتية والتجارة بين شركات التأمين والحكومة الفيديرالية والحكومات المحليّة والتبرعات الفردية والقطاع الخاص. كان الكونغرس أحد مصادر التمويل الرئيسية، بينما خفّض المجلس التشريعي لولاية تكساس الضرائب لمدة 3 سنوات، إلا أنه لم تكن هناك إدارة طوارئ فيدرالية لتقديم المساعدة للإسكان والشركات، فتركّزت أنشطة الإغاثة والإنعاش في إطار لا مركزي من المتطوعين والكنائس والشركات والأفراد، وبدرجة أقل من البلديات والمقاطعات والولاية. الأفراد والشركات تبرعوا من «خلال صندوق إغاثة مدينة تكساس».

الخروج من الأزمة
في تقدير أوّلي للخسائر، يشير محافظ بيروت إلى أن 8000 وحدة سكنية باتت غير قابلة للسكن، بالإضافة إلى خسائر بمليارات الدولارات. في وضع لبنان الحالي، أو حتى في أفضل أوضاعه الاقتصادية، هي كلفة هائلة لا قدرة له على توفيرها. لذا، من الطبيعي التعويل على التبرعات الخارجية، بالتوازي مع سياسات مالية محلية للدعم الحكومي، فضلاً عن الأعباء التي ستتحمّلها الجمعيات المحلية والمبادرات الفردية. لكن إذا كانت قدرات لبنان محدودة للتعامل مع حجم الكارثة، فما هو الحل في ظلّ الحصار الذي يقع على لبنان؟
قد تشكّل الصين أحد أهم المسارات التي يجب اللجوء إليها اليوم. فبحسب دراسة أعدّتها جود بلانشيت وآخرون بعنوان «موانئ خفيّة»، فإن شركات الشحن الصينية تصنّع 96% من حاويات نقل البضائع في العالم، كما أنها تصنّع أكثر من 80% من رافعات المرافئ في العالم. وبحسب ديبرا براوتيغام في ورقتها البحثية بعنوان «نظرة نقدية على دبلوماسية فخ الديون الصينية»، فإن الصين شاركت في عمليات بناء 116 مرفأً في 62 دولة حول العالم.
هكذا تبدو الصين أفضل خيار لإعادة إعمار مرفأ بيروت سواء لجهة خبرات الشركات الصينية، أو قدراتها التمويلية بصيغ ملائمة، وصيتها الذائع في سرعة تنفيذ المشاريع. هذا ما يحتاج إليه لبنان لأن البقاء بلا مرفأ بيروت لفترة طويلة سيكون له أثر مدمّر على الاقتصاد المتصدّع أصلاً.