منذ التاسع من الشهر الماضي، أدّى وزير التربية عباس الحلبي قسطه للعلا بإصداره قراراً، يجدّد مع حلول مساء كلّ يوم، بـ«تعليق الدروس في المدارس الرسمية والخاصة الواقعة في القرى الحدودية مع فلسطين المحتلة». هكذا، من دون أي ملامح لخطة طوارئ للتعامل مع بقاء عشرات آلاف التلاميذ في القرى الأمامية خارج المدارس، فيما يسير العام الدراسي عادياً في بقية المناطق. ليس المطلوب طبعاً إغلاق كل المدارس، لكن هناك اقتراحات قدّمها تربويون لردم شيء من الهوّة بين تلامذة المنطقة الجنوبية وبقية المناطق، مثل تقديم عطلة الميلاد ورأس السنة وتمديد العام الدراسي الصيف المقبل.تلامذة عشرات المدارس الرسمية الواقعة على خطوط المواجهة الحالية مع العدو، تتعامل الوزارة معهم كأنهم في كوكب آخر. فالعام الدراسي لهؤلاء، وخصوصاً في المدارس الرسمية، معلّق منذ اليوم الأول، وبالنسبة إلى بقية المدارس، «الدروس متوقفة بشكل تام في القرى المحاذية للحدود والخلفية أيضاً، والأهالي لا يرسلون أولادهم إلى المدارس أبداً، حتى تلك البعيدة عن خطوط المواجهة»، بحسب مدير مدرسة خاصة في منطقة تبنين، البعيدة نسبياً عن الحدود. وأضاف: «الوضع غير مشجع أبداً، والأهالي طالبونا بإغلاق المدرسة لأن الأمور قد تتدحرج في أي لحظة». مدير ثانوية كفرا الرسمية فؤاد ابراهيم أوضح أن «هناك 7 ثانويات في منطقة بنت جبيل، 3 منها في رميش وعيتا الشعب وعيترون، مقفلة بشكل تام بقرار من وزير التربية كونها متاخمة للحدود». كما أن ثانوية بنت جبيل «أقفلت أيضاً بسبب نزوح الأساتذة والتلامذة، رغم أنّها ليست متاخمة للحدود». وفي المناطق الأبعد عن الحدود، في شقرا وتبنين وكفرا، «تعمل الثانويات بشكل جزئي»، بحسب ابراهيم، و«كلما زادت المسافة بعداً عن الحدود، ارتفع حضور التلامذة، فيصل في كفرا مثلاً إلى نحو 85%». أمام هذا الواقع، تفتّقت عبقرية الوزارة عن تعميم يطلب من مديري المدارس والثانويات الرسمية في المناطق التي لجأ إليها النازحون استقبال الطلاب النازحين، من دون اعتبار للوضع النفسي لهؤلاء ولقدرتهم على التلقّي في ظل ظروف التهجير.
«نعيش طبقية تربوية»، وفقاً لمدير إحدى الثانويات في الجنوب، إذ إن «هناك منطقة تعاني من توقف العملية التدريسية بسبب العدوان، ومناطق أخرى لا تعرف ماذا يجري جنوباً والحياة فيها طبيعية». ووصف إمكانية التعويض لاحقاً بأنها بـ«غير ممكنة ولا قدرة للأساتذة على تقديم أيّ يوم إضافي إذا لم تخصص الوزارة بدلات إضافية».
قد لا يتقاضى الأساتذة هذا الشهر المساعدة على الراتب، رغم أن التعطيل بقرار من الوزير


غياب الخطط للتعامل مع الأوضاع الطارئة ينسحب أيضاً على طريقة تعاطي الوزارة مع الأساتذة في المناطق الحدودية. فبدل تقديم الدعم للأستاذ المهجّر بـ«ملابسه فقط»، أو الصامد في مكان إقامته، يحتمل حرمان الأساتذة هذا الشهر من المساعدة الحكومية على الراتب (4 رواتب إضافية) لعدم حضورهم لأربعة عشر يوماً إلى مركز العمل. ففي الاجتماع الأخير مع الروابط، اقترح الحلبي «مساعدة الأساتذة المهجرين بمبلغ 100 دولار (الحوافز الإضافية) هذا الشهر عوضاً عن 300 دولار كونهم لم يدرّسوا»، رغم أنّ المدارس مقفلة بقرار من الوزير نفسه! لا بل أصدر الحلبي تعميماً في 17 الشهر الماضي يطلب فيه من الأساتذة المهجرين «الالتحاق بالمنطقة التربوية الأقرب إلى مركز سكنهم الجديد، ووضع أنفسهم في تصرف الوزارة»، لـ«الاستفادة من خدماتهم مؤقتاً حيث تدعو الحاجة في المدارس والثانويات الموجودة في المناطق التي انتقلوا إليها». ويتساءل أساتذة صامدون في قراهم عما إذا كان «المطلوب من أستاذ يقيم في إحدى القرى الحدودية أن يتوجّه إلى النبطية مثلاً للتعليم، ومن يؤمّن له بدل الانتقال، وهل المطلوب دفع من بقي في أرضه الى المغادرة بدل توفير مقومات بقائه؟».



شحّ في الأساتذة جنوباً
إضافة إلى طلبات الأهالي بتعليق العام الدراسي مؤقتاً، تعاني المدارس الرسمية والخاصة في الجنوب من «شح في الأساتذة»، إذ غادر عدد كبير منهم المنطقة نحو مدن جنوبية أكثر أمناً، أو حتى إلى بيروت، ما جعل إدارات المدارس البعيدة عن المواجهات تقف حائرة في كيفية استكمال العملية التعليمية، حتى لو عاد التلامذة إلى مقاعدهم. «المدير يتصرف من تلقاء نفسه، ولا ينتظر القرارات المعقّدة، وإدارة تسيير المرفق يجب أن تترك للمديرين أيضاً»، بحسب مدير ثانوية كفرا فؤاد ابراهيم، إذ لا يُطلب من الأستاذ النازح دوام كامل، بل جزئي، وهذا أفضل من الالتحاق الوهمي بالمدارس في مناطق النزوح، وفقاً للتعميم 27 الصادر عن وزير التربية، وخصوصاً أن هناك اكتفاءً لدى الثانويات في المناطق الآمنة على مستوى الأساتذة والتلامذة.


المدارس الخاصة: خطط فردية
حتى الآن، تواجه إدارات المدارس الخاصة على مستوى لبنان احتمال الحرب بخطوات احترازية فردية غير منسّقة مع وزارة التربية، ومتفاوتة وفقاً لظروف كل مدرسة. فقد أعدّت مدارس كثيرة خريطة إخلاء الصفوف لدى حدوث أي طارئ، وأنجزت الإجراءات المطلوبة لإمكانية التحول إلى التعليم من بعد، إن على مستوى تكييف المواد التعليمية، أو على مستوى التواصل مع من قرر من التلامذة السفر إلى الخارج.
المدارس الكاثوليكية، بتوجيه من أمانتها العامة، بدأت تطبيق التعليم «أونلاين»في المدارس الحدودية منذ الأسبوع الأول لبدء الأحداث في الجنوب، فيما خيّرت التلامذة غير القادرين على متابعة هذا التعليم باللجوء إلى أقرب مدرسة كاثوليكية في مكان النزوح، على أن يبقى التسجيل على اسم المدرسة الأم، باعتبار أنه تدبير مؤقّت سيعود بعده التلامذة إلى منازلهم ومدارسهم، على ما يقول الأمين العام يوسف نصر، نافياً أن يكون أي من التلامذة قد غادر لبنان.
بعض التلامذة في المدارس الإنجيلية وغيرها قرروا السفر، ما دفع إدارات مدارسهم إلى اتخاذ تدابير خاصة توفر لهم الدروس «أونلاين»، إما مباشرة، أي في وقت إعطائها، وإما «أوفلاين» عبر تسجيل المقرر، علماً أن «نسبة المغادرين من تلامذتنا إلى منطقة الخليج تحديداً محدودة جداً»، وفقاً للأمين العام للمدارس الإنجيلية، نبيل القسطا.
المسؤولة التربوية في جمعية المقاصد، سهير زين، أكدت أن مدارس الجمعية باتت في جاهزية تامة لمواجهة أي تطور يمكن أن يحدث على مستوى البرامج التي أُقلِمت لتناسب التعليم من بعد، «وإن كان لا أحد يمكن أن يتوقع ما يمكن أن يحمله الوضع من مفاجآت مباغتة». إلا أن زين تبدي خشيتها من تدهور الوضع ومقاطعة الأهالي لدفع الأقساط ما سيؤثر في أوضاع المؤسسات التربوية، خصوصاً تلك التي تعتمد التقسيط.
أما المدارس التابعة للبعثة العلمانية الفرنسية، فهي بدأت الإثنين الماضي عطلة جميع القدّيسين لأسبوع كامل، بعدما شهدت في الأسابيع الأولى للأحداث سفر أعداد قليلة من التلامذة لا تتجاوز الـ 10 في المئة، على ما تقول مصادر أكاديمية، باستثناء أبناء الأساتذة الأجانب الذين غادروا بمعظمهم، فيما لم تسمح إدارة البعثة للأساتذة أنفسهم بالسفر حتى الآن، وإن اتخذت إجراءات حمائية للحفاظ على أمنهم وسلامتهم.
أما الأنترناشيونال كولدج، فقررت إسداء التعليم «لايف ستريمنغ» استثنائياً الأسبوع الماضي بعد إجازة قصيرة وتأخر طائرات بعض التلامذة عن موعدها، وعادت إلى التعليم الحضوري، ابتداءً من الإثنين الماضي، علماً أن هناك مجموعة من المديرين الأجانب غادرت المدرسة، فيما نسبة المسافرين التلامذة ليست كبيرة.