إذا نظر المرء في جوهر مشيخات الخليج، سيجد أنه رغم الاختلاف في الأسماء والأحجام ومديات التأثير، فإنها تتشارك في كونها أنظمة على جانب كبير من التخلّف. قل أي نعت، فينطبق عليها. هنا نوجه أنظارنا صوب البحرين التي لا تزيد مساحتها عن بضعة كيلومترات مربّعة، ذلك أنها تُعد أنموذجاً لمختلف صنوف القمع والاضطهاد الديني والسياسي والثقافي...الكاتب مارك أوِن جونز الذي يصف نفسه بأنه بحريني، تحدث عن كتابه «القمع السياسي في البحرين في مئة عام» (منشورات جامعة كامبريدج ـــ 2020) فقال: تميل دراسات المجال (area studies)، مثل التخصّصات الأخرى، إلى تطوير تسمياتها ومصطلحاتها ذات الصلة. يبدو أن نماذج الطائفية والديمقراطية والسلطوية في صعود، كما يبدو أن الأدبيات التي تدفعها مخاوف أمنية عبر الأطلسي سيطرت على الخليج (الفارسي) على وجه الخصوص. قد يكون من الصعب الخروج من هذا الأنموذج؛ ولو تعلّق الأمر بمفاهيم أساس ومهمة ومفيدة. ووجب التحول أيضاً إلى أدبيات العلوم الاجتماعية الموجودة خارج نطاق دراسات الشرق الأوسط. القمع مفهوم يمتد إلى عدد من التّخصُّصات، ونتيجة لذلك، يغوص المؤلف في جوانب علم الجريمة، والدراسات القانونية النقدية، والاتصالات، والعلوم السياسية، والتاريخ، والعلوم الاجتماعية.


في الواقع، يستحق القمع تقريباً أن يكون له تاريخه الخاص، دوماً برأي الكاتب. يصف الأخير عمله بالقول إنه تنقيحي أيضاً في هذا الصدد (كما يجب أن يكون أي تاريخ حديث، فعلاً). وهو يقدم رؤية ثاقبة مثيرة للاهتمام حول «مُشَرّعي» القمع المنخرطين بشدة في تحديد السياسة القمعية. وبالتالي، يكشف عن دور المسؤولين البريطانيين ومسؤولي آل خليفة، المثير غالباً للقلق، في تسهيل بعض أساليب القمع، سواء كانت ضد الحركات النقابية أو القوميين العرب. يستكشف الكتاب عدداً من حلقات الخلاف من عشرينيات القرن الماضي حتى عام 2011. وعلى هذا النحو، يقارن كيف قمع نظام آل خليفة مجموعة واسعة من الحركات الديمقراطية والقومية التي وُلِدت في الثلاثينيات والخمسينيات، إلى حركة اليسار المتزايد في السبعينيات، وكذلك الحركات الإسلامية بعد الثمانينيات. ومن دراسة الأدوار المحددة لشخصيات من بينها تشارلز بلجريف ورئيس الوزراء، إلى استكشاف كيفية تنفيذ تخطيط المدن من أجل الحد من المعارضة، يغوص الكتاب على نحو عميق في هيكليات القمع والسيطرة. بعد المقدمة النظرية (القمع السياسي في البحرين في القرنين العشرين والحادي والعشرين)، ينتقل الكاتب وهو أستاذ مساعد في دراسات الشرق الأوسط والعلوم الإنسانية الرقمية في «جامعة حمد بن خليفة» إلى وصف فصول مؤلفه فيقول: في الفصلين: الأول (تعريف القمع السياسي) والثاني (دليل إلى القمع)، تم وضع مبررات الدراسة ومفاهيمها ونظرياتها، مع وضع أنموذج القمع، تم تفصيل طرق فن الحكم وفحصها في الفصل الثالث (فن الحكم السياسي: بين الدمقرطة والخلاف والانقسام).
الفصل الرابع (التعذيب والاعتقالات وانتهاكات السلامة الشخصية الأخرى) تفاصيل تطور القدرة القمعية وأساليب الخدمات الأمنية في البحرين. ويركز بشكل خاص على الشرطة، التي تتوافر عنها معظم البيانات التاريخية والحالية. من خلال فحص القوانين والتشريعات والعمليات القانونية، يورد في الفصل الخامس (القانون القمعي والقمع القانوني) أنّ النظام القانوني في البحرين أصبح أداة قمع شاملة على نحو متزايد، على الرغم من التوحيد القياسي المتزايد للقوانين التي تم سنّها في كثير من الأحيان كإجراءات بأثر رجعي للسيطرة على المعارضة. كما تم التحقيق في مدى الإفلات من العقاب كعامل تمكين للقمع وإبرازه.
يصوّر النظام المعارضين على أنّهم «عملاء عنيفون ترعاهم ايران»


يستكشف الفصل السادس «ضوابط المعلومات: من الرقابة إلى وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار الكاذبة» كيف أصبحت السيطرة على المعلومات ذات أهمية متزايدة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين. على وجه الخصوص، كانت تقنيات الاتصال الحديثة أساساً في خلق أشكال جديدة من المقاومة والقمع. إضافة إلى استكشاف التطور التاريخي لممارسة المعلومات القمعية، يتضمن هذا الفصل عناصر لتحليل التأطير والإثنوغرافيا الافتراضية. يتم فحص التغطية الإخبارية ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي للكشف أنّ المتظاهرين والمعارضة يتم تأطيرهم على أنهم «عملاء عنيفون ترعاهم إيران يعملون على تنصيب نظام ديني». كما يقوّم الفصل كيف تستفيد الشركات البريطانية والأميركية الخاصة من تبييض انتهاكات حقوق الإنسان.

Political Repression in Bahrain. Cambridge University Press 2020. extent: 414 pages (7 figures and 11 tables). Marc Owen Jones*