1.
يا لَنا يا لنا في هذا السبت من أوائل أبريل، نحن سعداء برؤية الشمس. ارتديْنا ملابس العيد تحت معاطفنا الشتوية وخرجنا برؤوسٍ عارية، مُعوّلين على الشمس لِتنقية الأنهار والبحار في أفكارنا، ومعوّلين على الهواء الصّحو لمساعدتنا على «العودة إلى البيت».
2.

فصل الشتاء، هنا، فصلٌ شماليّ طويل، فصلٌ مغلقٌ، فصل النهارات الثقيلة والسهراتِ الغليظة القلب، فلا نعود نعرفُ كيف نخرج ولا كيف ندخلُ.
3.

ويا لَنا هنا، نحن الأفارقة. لَنا قلوبٌ ضاحكةٌ نخبّئها تحت المعاطف حتّى لا تذوب في البرد، ولنا عضلاتٌ نضعها رهن إشارة العائلة — هناك، ورهن إشارة سوق الشغل، وذلك في ظلّ حقوق اجتماعية لم نرها من قبلُ، وفي حمى حرّيات فردية لم نرها من قبل.
ويا لَنا.

مايكل ماكغاري ـ «اعذرني، بينما أختفي» (لقطة ثابتة ـ 2014)


في الليل نخرج إلى الشغل، وفي الصباح الباكر نخرج إلى الشغل، وفي المساء نخرج إلى الشغل، وفي الويكاند نخرج إلى الشغل.
ويا لَنا.
نضحكُ من شدّة التعبِ، ونرقص من شدّة الجرح، ونتبادلُ الأنخاب والأطاييب، وعندما يأتي وقتُ الغناء لا ننسى أحداً.
يا لَنا.
إنّنا نبقى شباباً ونشيطين حتّى ولوْ كنّا قدامى هنا.
ويا لَنا.
بعد شهر أو خمسة أسابيع، يذهبُ الشتاءُ إلى مدينة أخرى ونحنُ نبقى.
4.

ماذا يقولون لي بعد الشتاء، ماذا يقولون لي بعد الصمت البارد، ماذا يقولون بعد كلّ هذا الحبِّ.
5.

يا أيّها الجالسون في القلب، يا الذين جاؤوا إلى الحبّ منذ زمان، تعالوْا لنستريح قليلاً منَ البرد.
6.

وَوقفتُ أنظرُ. هَالْمُدُنُ الشمالية التي تُحيينا وتقتلنا، هَالْمَساكنُ القصيرة، هَالشُّغلُ بالليل وهَالشُّغلُ مرّتيْن، هَالغيومُ وهَالْمطاراتُ، وها نحنُ ننتظرُ، ومعنا صديقنا: المنفَى.
7.

يا أيّها الحنين، لا تذهب إلى غاباتنا، ذهبنا هناك ولم نجد شيئاً تغيَّر.
يا أيّها الحنين، لا تذهب إلى الشتاء، ذهبنا هناك ولم نجد معطفاً.
8.

بتاريخنا وأشجارنا جئْنا، بعضلاتنا وأعصابنا، بِبناتنا وأبنائنا، نساءً ورجالاً جئنا، أطبّاءَ ومهندسين وتقنيّين وممرضين ومعلمين وجامعيّين وبشهادات عليا شتّى جئْنا، مهاجرين ومهجَّرين جئْنا.
وجاء معنا أُمّيّون وفُشالى وسُذّج وكُسالى ومُتزمّتون وسُكارى.
وكان في استقبالنا فاتناتٌ ومنتزهات وحُرّيّات فرديّة وابتسامات إداريّة لم يسبق لنا أن رأيناها وأناشيد وحقوق وواجبات محترمة. ومع ذلك كلّه، كان هناك جدارٌ - جِدارٌ مُضحكٌ مُبكٍ، خفيّ ظاهرٌ، جدارٌ ضخمٌ ولهُ معنى:
الشمال لا يريد أفكار الجنوب - الشمال يريد عضلات الجنوب: الطبيب للتمريض، والمعلّم للأشغال العامّة، والمهندس لقيادة سيارات الأجرة، والتقنيّ لأشغال البناء، والمرأة للأشغال الشاقة، والجامعيّ لحراسة السيارات وهكذا إلى أن يُصيبك يأسُ البداية من الصفر.
جدارٌ يقولُ: إنّك لم توجد من قبل ومرحباً بعضلاتك بعد ذلك.
9.

ارتبكْنا قليلاً في أوّل الأمر، ولكنّنا عُدنا فاستعدنا، بعد شهر ـ بعد عام ـ «بعد عامين وجيل»، أسماءنا وأرقامنا، وقُلنا: «لِمَ لا. نحن أولى بهذه الأشغال في انتظار أن تتحسّن الأحوال».
فاشتغلنا.
اشتغلنا في الليل والنهار وفي التّعب، في السلاسل والدوائر والغضب، في محطات البنزين الرصاص والياقوت، في المزارع والمطاعم، في المصانع وفي البارات، في دور العجزة وفي المستشفيات، في سيارات الأجرة، في النقل العموميّ وفي مترو الأنفاق.
في أنظمة بروليتارية قديمة، وفي ملاعب الليبرالية المُملّة، اشتغلنا.
واشتغلْنا في المنفى واشتغلنا في تُفّاحته.
وها نحنُ انتبهنا قليلاً إلى أن هذا هو المنفى، فقُلنا لِمَ لا نُجرِّبُ ـ على الأقل ـ هذا الكلام.

* مونريال/المغرب