لا بدَّ أن أعترفَ بشجاعةٍأنّي حبيبةٌ غير جيدة
فأنا قلقةٌ دائماً
والقلقُ
خصلةُ عشقٍ سيئةُ السّمعة
هناك وُلدتُ
في مساكنِ مطارٍ عسكري
وهذا لا شأنَ لهُ بالعشقِ والقصائدِ
له علاقةٌ -فقط- بالقلقِ الذي يعلو قوةً
صوت الطّائرات
واضحٌ إذاً..
كم كانت طفولتي
قلقة!

ماتيو بورتر ـــ «قلق» (طباعة صبغة أرشيفيةــ 29 × 24.5 سنتم ــ 2019)


عندما
حِضتُ للمرةِ الأولى
اختبأت أسفلَ السّريرِ
أعضُّ يدي لأكتُمَ صوتَ بكائي
أخبرتُ أمّي بقلقٍ أنّي قد أموت!
وبّختني قائلةً «ستموتينَ لو تكلّمتِ مع الرّجال»
وأكّدت جميعُ قريباتِنا وجاراتِنا قولَ أمّي
من يومها كلّما قالَ لي رجلٌ «مرحباً»
أعضُّ يدي وأركضُ
قلقةً أن يقتلَني!
في المراهقة
كانت عمتي تقصُّ ضفائري
بتسريحةٍ أقربَ لأكونَ بها مصطفى
وكانت أمّي تُوصيني دائماً بألّا أضحكَ
كنتُ قلقةً دوماً أن تفلَتَ مني ضحكةً
على طريقِ المدرسةِ
فأرسبُ في صفي!
ذاتَ صباح
من غير قصدٍ كرجَتْ ضحكتي أمامي
فأمسكَ بها زميلي بدهشةٍ قائلاً:
«أوف ضحكتك شو حلوة»
فشكوتُهُ للمدير، وأكملتُ
مدرستي الثانوية
أُعاني فوبيا قلقٍ
أن تعلمَ
أمّي!
في الجامعة
كان القلقُ زميلي وأستاذي
يخرجُ من كوبِ النسكافيه، من المحاضراتِ
ومنَ الطّريق
زميلاتي المُحجبات
رأينَ أنّي قد أدخلُ النّارَ،
وعليَّ القلقُ جدياً كوني سافرةً
بينما المتحررات قُلنَ أنّي أنثى طموحة
لكن قلقة، إذْ تنقصُني الجرأةُ
وعلاقةٌ جسديةٌ
لأكتمل!
حبيبي الأول
كانَ بسيطاً طيباً، أحبَّ أصابعي
وقبلَ انقضاءِ عامٍ افترقنا
لشدّةِ ما منعتُ عنهُ
يدي
لم يكن يفهم قلقي الشديد
من أنْ تصبحَ يدي حُبلى،
لو قبّلها!
ثمَّ..
لم يتغير شيءٌ
بمزيدٍ من القلقِ تابعتُ حياتي
من عيون مديري، من يدِّ سائقِ التّكسي،
من مجتمعٍ يراني فاشلةً لأنّي لم أصبح عروساً،
من نقودٍ ناقصةٍ في حقيبتي دوماً
من الحرب، من العتمةِ،
من غربةٍ في وطني
والآنَ منكَ

ساعة رملية مثقوبة
«على كتفي استندي»
لَطالما قُلْتَ
استندتُ...
فَوجدتُهُ قِطعةَ دومينو
ما إنْ مالَتْ، أسقطَت في طريقِها
شعوري
لِنَشفى
من أحقادٍ
تراشقناها طوالَ الليلِ،
نُمارسُ الحُبَّ صباحاً بساديَّةٍ
فنغدو أكثرَ ألماً
نرتدي الصّمتَ
ونمضي
أنظرُ إليكَ
وأنتَ تقطعُ الشَّارعَ
فتبدو لي كقطّةٍ سوداءَ
مرّت أمامَ قلبي
فَأفسدَتْ
صِباهُ
أركبُ الحافلةَ...
بضجرٍ أقرأُ منكَ
محاولةً لترميمِ الخرابِ
كيفَ سأقبلُها
وهي أشبهُ باستخدام ألتيكو
لإصلاحِ رَتقِ مدينةٍ
أصابَها زِلزال!
ما عادَ العتابُ يُجدي...
إذ
آلَت أذني
لساعةٍ رمليةٍ مثقوبةٍ
تَتطايرُ منها رمالُ كلماتِكَ

مصافحة ماءٍ لنار!
يداكَ الماء
بعدَ نموّ خمْسِ دوالي عنبٍ
امتدّت لمصافحتي، فأطفأت
أصابعي النّار
أعترِفُ أنّي طوالَ قصتنا كنتُ...
مُملةً،
تُحدّثني عن أسعارِ الصّرفِ
بينما أنشغلُ في عَدِّ زغبٍ
يلمعُ مع أثرِ الشّمس
على ذقنِكَ
غيرَ مبالية،
ففي وقتٍ شكوتَ فيه
من أعراض اكتئابٍ دائمٍ يُرافقُكَ،
قَصَصتُ لكَ عن أبطالٍ
نَجوا بأعجوبةٍ!
وقليلة الانتماءِ!
فبينما تحكي عن تحوّلِ آذار لنَكبةٍ
أتركُ يدي تغفو بين كفيكَ قائلةً:
حضنُ كفيكَ دافئٌ
ولكلٍّ وطنهُ
اليوم وأنتَ ترحل
إلى ضفاف السّين
أدركُ تماماً كم خانَني وطني!

امرأة أُحيلَت إلى دميةٍ
معكَ..
كنتُ جدولَ ماءٍ صغيراً
تبخَّرَت مياهُهُ من حرارةِ خلافاتِنا
فغدوتُ غيمةً صامتةً تُمطرُ
دخاناً
لا يحتملُ الرجلُ فكرةَ
أن تكسرَ امرأةٌ زجاجَ مزاجِهِ
لكن لا بأسَ لو كسَرَ كلَّ شيءٍ فيها
حتى ماء قلبها
مؤخراً..
اشتريتُ دبّاً بفروٍ ناعم
يحتضنُني ليلاً، وما إن أَلْمَس قلبَهُ
يقولُ بلطفٍ: أحبّكِ
خلافاً لكَ، هذا الدّبّ رحيمٌ
يؤنسُني بجموده الدّافئ
وبعد زمنٍ..
يكفي استبدال بطاريتِه
ليستمرَّ في قول:
«أُحبّكِ»
دبٌّ، حتى ولو ضغطتُ
على جرحه في الفراق، يقول:
أُحبّكِ

ركبةٌ جريحة وأصابعُ مكسورة
القصيدةُ التي قتلتها عمداً في داخلي
وأنتَ تُسوّفُ وتَتحايلُ،
كانت عنك
بركبةٍ جريحةٍ يحاولُ الرّجلُ
عبورَ ما يُسمّيه حبّاً،
فلا يَصِل
ولتطمئنَّ الأنثى
تعبرُهُ على رؤوسِ أصابِعِها
فتصلُ بجروحٍ وقيحٍ
وأصابعَ مكسورة
لا يوجعُ المرأةَ،
سوى المرأةَ
بينما..
يُوجعُ المرءَ شدّةُ
الوفاء
أعرفُ عشيقاتِكَ جيداً
رأيتُهنَّ يدخلنَ من بابِك الموارب
ثمَّ يخرجنَ وقد قطّعنَ أثداءَهنَّ
بسكينٍ نِصَابُها
مبتور
أنفي صغير لن يحتملَ
كَثرةَ روائح النّساءِ على جسدِكَ
وأنفُكَ عقيم يُنكرُها


تناقضات
الكتابةُ هي
أنْ تَشقّي قميصَكِ
وتُنكلي بجرحٍ أُضمِرَ تحتَهُ،
فتترُكي نُدبةً
الكتابةُ هي
جريمتي الوحيدة!
حتى المدنُ
تتغيّرُ طبائعُها!
كانت مدينةٌ وُسِمَت بالحبورِ
وفي الأمسِ، كنا كعادتِنا
نمشي يدي بيدكَ
لكن..
كانت شوارعُ اللاذقية تصفعُنا
هكذا أصبحت قاسيةً
بفعلِ شتائمنا
وخلافاتِنا!
صعدتُ الحافلةَ
لم يكنْ هناكَ مُتَسعٌ للجلوسِ
وبعدَ انتظارٍ..
حصلتُ على مقعدٍ ذي ظهرٍ مكسورٍ
فأسندتُ ظهري على خيبتي
هكذا إذاً..
يحدثُ أنْ تسندَنا خيبةٌ!
في صدى الظّلامِ أكتبُ أمنياتي
الأولى: أنْ أغفرَ لوطني
الثّانية: أنْ أغفرَ لك
الثالثةُ: سأُكملها
عندما تأتي
الكهرباء
الماءُ الذي نشربُهُ
هو دموعُ الفقراءِ والمنكوبين
لذلك لستُ قلقةً أبداً بشأن نفادِ الماءِ
في وطني
كيفَ
لكلِّ هذه السّماء،
أنْ تُغطيَ هذه الأرضَ؟
فالسّماءُ واسعةٌ جدّاً،
لكنَّ الأرضَ ضيقةٌ جدّاً
ربما عليها أنْ تكونَ
أكثرَ طموحاً وجديةً، فتُغطي
أرضاً أخرى أكثرَ رحابةً
لأبنائِها!
هكذا أبدو..
أنثى هادئةً،
بابتسامةٍ هادئةٍ،
بصوتٍ ذي طبقةٍ هادئةٍ،
حركاتُ يدي إنْ تحدّثتُ هادئةٌ،
أتناولُ طعامي ببطءٍ وهدوءٍ،
مشيتي ثابتةٌ وهادئةٌ،
حتى أنّي أنامُ بهدوءٍ،
لكنّي في داخلي
أصرخ..

* سوريا