جلنار واكيملعلّها نقطة اللقاء الوحيدة اليوم حيث «يتعايش» سوريون ولبنانيون على المساحة الجغرافية نفسها من دون حساسية أو نفور... يخططون لمشاريع موحّدة، يتشاركون الأفكار والنشاطات، يجتمعون يتناقشون، شاهرين هوية باتت شبه مستحيلة الوجود اليوم، وهي الهوية «السورية ــ اللبنانية».
ولعلّ بُعد هذا المكان جغرافياً عن المنطقة العربية، هو ما جعله يبتعد عن جو التشنّج السائد في علاقات البلدين والشعبين. إنه «النادي السوري اللبناني» في الأرجنتين، وهو ناد ثقافي وملتقى الجالية السورية اللبنانية، وسط العاصمة الأرجنتينة بوانس أيرس.
وعندما نقول الجالية السورية اللبنانية، لا نعني بذلك كل جالية على حدة، فهناك لا يوجد أي فرق بين الشعبين.
عندما تُسأل ديانا صايغ، مهندسة معمارية في الخمسين من العمر، عن هويتها أو أصولها تجيب بأنها «سورية لبنانية»، وجوابها هذا يتردد على ألسنة أبناء الجالية في الأرجنتين كلما طرح عليهم هذا السؤال.
تعود الهجرة اللبنانية السورية إلى الأرجنتين إلى أوائل القرن الماضي، أي قبل أن توقّع اتفاقية سايكس بيكو وتُرسم الحدود بين لبنان وسوريا. أما السبب الرئيس الذي أدى إلى هذه الهجرة فهو موجة الجراد التي سببت مجاعة كبيرة في المنطقة، فتوجه السوريون واللبنانيون إلى الأرجنتين في البواخر، باحثين عن فرصة جديدة للعيش. ومنذ ذلك الوقت، بقيت الجالية تحتفظ بذاكرتها عن بلادها كما تركتها، من دون حدود أو فواصل. والطريقة الوحيدة لمعرفة إلى أي بلد ينتمي أي مغترب من تلك الجالية هي في السؤال عن اسم القرية أو البلدة التي ولد فيها.
تعدّ الجالية اللبنانية السورية من أهم وأقوى الجاليات في الأرجنتين. ويطلق على أبنائها اسم «الأتراك»، إلا أن هذه التسمية لا تروق كثيراً أبناء الجالية.
أُسّس «النادي السوري اللبناني» عام 1932 على يد موسى عزيز. وكانت بعض المجموعات قد أقامت نادي حمص ونادي عكار إلى أن أنشأت الجالية نادياً مشتركاً لأبنائها.
جمع هذا النادي الثقافي ليس فقط الكوادر من أصول عربية، بل أهم الشخصيات البارزة التي حكمت الأرجنتين. ويتضمن النادي نشاطات عدة، أهمها دروس في اللغة العربية وأخرى في الرقص الشرقي ودروس لتعليم الطبخ الشرقي. كما يتضمن مطعماً سورياً لبنانياً وأنشطة رياضية وثقافية أخرى.
أعضاء اللجان في النادي من أصول عربية، أسماؤهم باتت لاتينية، ولا يتكلمون اللغة العربية إلا نادراً. أما أسماء عائلاتهم، فتبقى الدليل الأهم على أصولهم التي يفتخرون بها. فهم مثلاً خورخي شديد، وأدواردو مسعد، وروبيرتو سابا، وغابريل قسيس، وخورخي حداد، وأليخاندرو أيوب.... أغلبهم ينتمي إلى الجيل الثالث أو الرابع من المهاجرين، لا يعرفون لبنان أو سوريا إلا مما يشاهدونه على الأخبار من حروب ومصائب تصيب المنطقة كل يوم. رغم ذلك، ما زالوا يجتمعون هنا، ويعيدون إحياء ذاكرة أجدادهم من خلال سهرات عربية، ومحاضرات عن تاريخهم، وغيرها من النشاطات التي تهدف إلى الحفاظ على رابط مع أصولهم. كما يقدّمون بعض الخدمات على موقعهم الإلكتروني (www.clubsiriolibanes.org.ar) كتعليم اللغة العربية والرقص الشرقي والطبخ العربي...
أبناء الجيل الشباب اليوم يسمعون عن المشاكل بين لبنان وسوريا، ويأسفون لما يحدث. يسألون عن سبب المشكلة القائمة، وإذا حاول المرء أن يشرح لهم الوضع القائم، فإنهم يجدون أن المسألة معقدة جداً ولا يفهمون كل التفاصيل، لذلك يفضّلون العودة إلى القصص التي رواها لهم أجدادهم، والتي تحمل صورة أجمل بكثير عن بلدين متجاورين.