بعد 13 عاماً من اكتشاف كريستوفر كولومبوس النصف الغربي من الكرة الأرضية، جمع الراهب الألماني مارتين فالدسيمولر، دوق منطقة اللورين، ومجموعة من الباحثين في دير سانت دي في فرنسا لرسم خريطة جديدة للعالم. فرسم الراهب خريطة ظهر فيها اسم أميركا للمرة الأولى في التاريخ. لكن تلك الخريطة التي رسمت في عام 1507 ما زالت لغزاً يحيّر الباحثين: لماذا أطلق فالدسيمولر والمجتمعون على المنطقة اسم أمريكا ثم غيروا رأيهم لاحقاً؟ كيف استطاع الراهب أن يرسم أمريكا الجنوبية بتلك الدقة؟ لماذا رسم محيطاً ضخماً غربي أمريكا قبل سنوات من اكتشاف رحالة أوروبيين للمحيط الهادئ؟ يوضح فالدسيمولر في معاجمه أنه سمى الأرض الجديدة على اسم أميريجو فسوبتشي، ويشير إلى أن اسم أمريكا مأخوذ من الاسم الأول للملاح الايطالي. لكن سريعاً ما انتابت الراهب الألماني شكوك بشأن عمله فأظهر الأطلس الجديد الذي أعده بعد ست سنوات جزءاً فقط من الساحل الشرقي للأمريكتين وأشار إليها كـ«أرض مجهولة». يقول جون هيبيرت رئيس قسم الجغرافيا والخرائط في مكتبة الكونغرس: «إنه اللغز.. السؤال.. الذي لا يزال معلقاً».
ويوضح أنّ «الشكل الفعلي لأمريكا الجنوبية على تلك الخريطة صحيح. وعرض أمريكا الجنوبية في نقاط رئيسية معينة سليم ويبلغ درجة من الدقة في حدود 100 كيلومتر». وتعطي الخريطة وصفاً سليماً مقبولاً للساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، لذا يؤكّد هيبيرت أنّ المراجع التي اعتمدوا عليها لرسم تلك الخريطة كانت أكثر بكثير من الأعمال التي يبلغ عمرها 1300 عام إن للجغرافي المصري بطليموس أو من خطابات كتبها الملاح أميريجو فسبوتشي، واصفاً فيها رحلاته لـ«العالم الجديد». ويشير الباحثون إلى أنّ الخريطة الملاحية التي رسمها فالدسيمولر في عام 1516 وهي بنفس مقياس رسم خريطة عام 1507 تظهر فيها أجزاء فقط من القارتين الجديدتين وتعيد وصل الشمال بآسيا. بحيث كتب على أمريكا الجنوبية اسم «الأرض الجديدة» وأمريكا الشمالية اسم «أرض كوبا». فلماذا حصل هذا التغيير الجذري؟
يرى هيبيرت أن سياسة القوة أدت دوراً كبيراً في ذلك، فقد قسمت إسبانيا والبرتغال العالم في ما بينهما في عام 1494 بعد عامين من رحلة كولومبوس، وسيطرت البرتغال على أراضي الشرق وإسبانيا على أراضي الغرب. وربما تأثرت تلك الخرائط بموازين القوى في تلك الفترة، «ولكنها بالضرورة بداية لأول خريطة في العصر الحديث، والتي اعتمد عليها كل تحديث منذ ذلك الحين». وتعرض النسخة الوحيدة الباقية من تلك خريطة في الكونغرس هذا الشهر، حيث وضعت القطع الاثنتي عشرة التي تتكون منها الخريطة على لوحة عرض أبعادها 1.85 متر في 2.95 متر مصنوعة من قطعة واحدة من الألومنيوم. وتم شراء الخريطة من الأمير الألماني يوهانس فالدبورج فولفيج مقابل عشرة ملايين دولار في عام 2003.
وستوضع لوحة العرض وسط غاز الأرجون الخام للحؤول دون تلف الخريطة حين تعرض للجمهور في 13 كانون الأول الجاري.
(رويترز)