strong>محمد محسن
يبدو أن جزءاً لا بأس به من الأطفال في لبنان سيستقبل عيد الفطر إما بعين «مفقورة»، أو بجرح موجع. والسبب هو بندقية «الإم حبّة» أو بندقية الخرز، التي تشهد شوارع العاصمة وضواحيها انتشاراً كثيفاً لها بين أيدي الصغار.
تبدأ المعارك بعد عودة الأطفال من مدارسهم، فتمتلئ الشوارع على الفور «بالمسلّحين» الافتراضيين الذين يحشون بنادقهم بالحبوب الصغيرة المصنوعة من البلاستيك المقوّى. ينقسمون إلى جيشين، ينتشر كل واحد منهم على مفارق الحي والزواريب وبين السيارات المركونة، ومنهم من يجرؤ على «القتال» علناً دون الاختباء خلف «الدشمة» التي ستحميه من قنص رفاق الشارع وأولاد الجيران.
ينسحبون من الشوارع بعد آذان المغرب من أجل الإفطار، لتعود المعارك وتحتدم بعد تناولهم الطعام. حينها ينجلي الغبار عن إصابات متعددة، منها ما يمكن احتماله ومنها ما يستدعي العلاج الفوري، لأن الإصابة تكون في مناطق حساسة كالعين مثلاً، وهو ما يسبب إشكالات بين أهالي الحي الواحد، تستدعي نزول «الكبار» إلى الشارع.
تتنوع الأسلحة البلاستيكية في أيدي الأطفال هذه الأيام، بين المسدسات والبنادق من أنواع وعيارات مختلفة ( كلاشنكوف ـــــ أم 16ـــــ Bomb Action..). والقطعة الجديدة لهذا العام مسدس وبندقية يحتويان على ضوء ليزر لتسهيل التصويب نحو الهدف.
والجدير بالذكر أنّه لا يمكن تمييز شكل هذه البنادق عن تلك التي تذخّر بالرصاص الحقيقي، فهي متشابهة إلى حدّ كبير، والفارق هو الصوت ونوعية الذخيرة فقط، على الرغم من أنّ الذخيرة الخاصّة بتلك البنادق البلاستيكية مصنوعة بطريقة مؤذية وغير مؤهلة لأن يستخدمها أطفال. وفي بعض الأماكن، اضطرت القوى الأمنية إلى معاينة هذه الأسلحة عن قرب للتأكد من أنها غير حقيقية.
وتشهد مبيعات «أسلحة الأطفال» ارتفاعاً ينمو يومياً مع اقتراب العيد. يقول غسان صاحب محل للألعاب في بيروت: «نبيع يومياً ما يقارب عشر قطع بين مسدس وبندقية، عدا عن أكياس الحبوب، أي الذخيرة». والمحلات تشهد يومياً «زحمة» طلب وزبائن من الأطفال الذين «يشارعون» في السعر قبل الإقدام على شراء أية «قطعة سلاح».
وتتفاوت الأسعار تبعاً لنوع السلاح، فالمسدسات تتراوح أسعارها بين 2000 و6000 ليرة، فيما تبدأ أسعار البنادق من 4000 لتصل إلى 15000 للأحجام الكبيرة. أما بالنسبة لكلفة الذخيرة، فخمسة أكياس من الحبوب الملّونة التي تكفي لمعركة طويلة، بــ 1000 ليرة فقط.
الكل ينظر إلى المسألة انطلاقاً من مصلحته. فالبائع يرى أنه «موسم رزق»، على الرغم من معرفته بخطورة اعتياد الأطفال على تلك الألعاب. والمسؤولية الأكبر تقع على الأهل الذين يصيحون في وجه ابن الجيران الذي يصوّب على ولدهم ويؤذيه، فيما بندقية ابنهم ما زالت في يده!! فهل يعي المجتمع أنّ هذه المعارك الصغيرة ليست إلا «بروفه» لحرب كبرى، قد يشعلها أو يشارك فيها «أطفالهم»؟