ليال حداد
في شارع مونو كما في وسط بيروت والبترون ومناطق عديدة مقاه ونواد ليلية متشابهة. الضجيج والموسيقى المرتفعة والزحمة هي من أشهر صفات أماكن السهر العصرية. مع ذلك وليس بعيداً من هذه المناطق ما زال شارع الحمرا ومحيطه يحتفظان ببعض من طابع ميّزهما قبل سنوات الحرب وبعدها. في تلك المنطقة ثمة مساحة لمحبّي الفنون والشعر والفن التشكيلي أو كما يُقال باللغة المتداولة «للحياة الثقافية»

في «طلعة» كراكاس وعلى يسار الطريق يقع مقهى «جدل بيزنطي». على الباب الرئيسي العبارة الشهيرة التي باتت شعاراً للمقهى: «اليوم شعر وغداً أمر».
زائر المقهى يشعر فوراً باختلاف المكان عن بقية المقاهي: صور لفنانين ومبدعين من العالم العربي تزين جدرانه، هنا صورة زياد الرحباني وهنا أخرى لغسان تويني وثالثة للسيدة فيروز... هذه الصورة جزء من هوية المكان.
«جدل بيزنطي» يدين بشهرته الى برنامج سهرة يوم الجمعة من كل أسبوع، حيث يستضيف المقهى شاعراً ليحيي أمسية. هذه السهرة موعد لعشاق الشعر يأتون إلى المقهى من مختلف المناطق اللبنانية ومن بعض البلدان العربية. وقد استضاف «جدل بيزنطي» الذي افتتح قبل ثلاث سنوات نخبة من شعراء لبنان والعالم العربي والغرب كما يوضح وسام عمار الذي يعمل في المقهى والذي يبدو مطلعاً على أدق التفاصيل في هذا المكان، منهم الشاعر عباس بيضون ويوسف بزي وغسان جواد وناظم السيد وشعراء عرب وألمان وفرنسيون.
في كل زاوية من «جدل بيزنطي» يشعر الزائر بأن مؤسسيه منحازون إلى «الخيارات الثقافية»، فتحتل مثلاً جريدة الحائط حيزاً مهماً من المكان، وهي لوحة يكتب عليها رواد المقهى قصائد وخواطر ورسائل وأفكارهم.
الموسيقى التي تذاع في المقهى «هادئة وراقية» كما يقول عمار. ويقدم «جدل بيزنطي» كل أنواع المازة العربية وكل أنواع المشروبات الكحولية، فبحسب عمار «لا يحلو الاستماع إلى الشعر من دون تناول كأس».
ليس بعيداً من «جدل بيزنطي» وتحديداً في قلب شارع الحمرا في أوتيل بافيون يقع مقهى «ة ـ مربوطة» أو ببساطة «ة». لم يمض شهران على افتتاح المقهى وباتت شهرته واسعة واسمه متداولاً وخاصة في أوساط الشباب الجامعي.
كنبات تتوزع في كل الزوايا مع بعض الطاولات الخشبية، هذا هو الأثاث في المقهى، وعلى رغم ذلك لا يبدو شبيهاً ببقية المقاهي.. يقدم «ة» كل أنواع الطعام والقهوة والمشروبات الكحولية لإرضاء «كل الأذواق». أما من الناحية الثقافية فيعمل المقهى على تأسيس مكتبة كبيرة وهو ما بدأ فعلياً إذ بات يحتوي على عدد لا بأس به من الكتب والمجلات ويتوسط غرفة المكتبة طاولة كبيرة من المفترض ان تستقبل قريباً شباباً ومثقفين لمناقشة قضايا سياسية وشعرية وأدبية وشبابية. ويقدم المقهى إمكانية استعمال الإنترنت مجاناً شرط ان تجلب حاسوبك الخاص معك.
أصحاب المقهى لا يساومون في قناعاتهم السياسية، فحين يطلب الزبون النسكافيه مثلاً يأتيه الجواب واضحاً «لا نقدم النيستلة، لدينا شيء شبيه بهذه الماركة». المقهى إذاً من مناصري حملة مقاطعة بضائع الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل.
في المقلب الآخر من شارع الحمرا مقهى براغ الذي فتح أبوابه «قبل سنة وسبعة أشهر بالتمام والكمال»، كما يوضح خالد مهنا أحد مديري المقهى. «الخدمات» فيه عديدة، إذ يستمتع قاصده بالتعرف بكتب بعضها نادر، إضافة الى مجموعة ضخمة من الأسطوانات الموسيقية ومختلف الصحف اللبنانية والأجنبية الموزّعة في لبنان، ويستفيد أيضاً من خدمة الإنترنت المجانية.
المقاعد الموزعة في «براغ» والإنارة الخفية والمريحة للمطالعة هي جزء لا يتجزأ من العالم الثقافي في هذا المقهى.
ويقول خالد «كان على شارع الحمرا ورأس بيروت أن يعودا الى ماضيهما الثقافي وهذا ما حاولنا القيام به والوصول إليه، والدليل على أننا وصلنا الى هدفنا هو الازدحام الذي يشهده مقهانا ومقهى ة ــ مربوطة الذي يعتبر منافسنا الوحيد».
أما نوع الزبائن فيختلف بين الليل والنهار، صباحاً يقصد المقهى الصحافيون ورجال الأعمال، وأما في الليل فيزدحم المقهى بالرواد الشباب وطلاب الجامعات.
شارع الحمرا لا يقبل بسهولة بالأدوار الثانوية، حيويته مدهشة، وإن هيمن الهدوء على الطرق ليلاً، ها هو يسبق «الآخرين» ويجذب عشاق القراءة والفنون إليه مجدداً ليركنوا إلى مقاه جديدة ويجدوا فيها «تعويضاً» بعد إقفال «مودكا» و«هورس شو».