علي عطوي
كان خضر نصر الله في التاسعة من عمره حينَ تسرّب من بين يديّ أمّه، وصدمته سيّارة “مرسيدس لون أبيض”.
إثر الحادث فقدَ خضر نصر الله (38 سنة) نظره، ونتيجة ذلك التحق بمدرسة داخلية، تُعنَى برعاية المكفوفين، وتعلّم فيها فنون صناعة الخيزران، وتقشيش الكراسي، وصناعة السلل وغيرها. وعَمِلَ لفترة في صناعة السجّاد والحُصَر، لكن “هذه المهن لا تُطعم خبزاً ولا تبني عائلة”، كما يقول.
بعدَ ذلك تعلّم فنّ تصليح الأسلحة وعَمِلَ بها، ويروي: “كنتُ أصلّح جميع أنواع الأسلحة، بما فيها الأسلحة الحربيّة وأسلحة الصّيد، لكنّني ابتعدت عن هذه المهنة التي خلقت لي مشاكل، وخصوصاً أنني من هواة تصليح الأسلحة الحربيّة، ففيها فنّ وسهولة أكثر من أسلحة الصيد”.
تعب خضر من أسئلة المدنيين ورجال الأمن كما يقول، فقرر أن يهجر مهنته الثــــــانية وراح يبحث عن مهنة لا يحتاج “فيها إلى معونة شخص آخر”. وقـــــع اختياره على مهنة صبّ المفاتيح وتصليحها. وشجّعته زوجته على خياره هذا. ويذكر خضر أنّه سأل عدداً كبيراً من أصحاب المهنة، عن مبادئها وأسرارها، لكنّه كانَ يُفاجئ بسخريتهم منه، متذرّعين بجملة سمعها أكثر من مرّة، “إنتَ بدّك تـــــــشتغل صبّ مفاتيح، هوّ اللي عم بيشوف ما بيشتغل بهالمهنة”.
لكن عزيمة خــــــــضر وإصـــــــــــراره كانا أقـــــــوى من أيّ سخرية واجهته، فقرر شراء عدّة المهنة، وبدأ يعلّم نفسه بنفسه، إلى أن أصبح قادراً على إدارة المصلحة. وعن خطّته الدعائيّة يقول: “وضعتُ إعلانات ترويجيّة في المناطق اللافتة للنظر أي قرب المسجد والكنيسة، والصيدلية، ومحطّة وقود وغيرها”. ويلفت إلى أنه صار يملك الآن 200 ألف مفتاح.
في جعبة خضر عشرات القصص، بعضها يحزنه كأن يقوم أحدهم بالتشكيك في قدرته على العمل الجيد، وبعض الحوادث التي تعرض لها مضحكة، ولكنه يحب التحدث عن فئة معينة من الزبائن، أولئك الذين يحاولون أن يعطوه مبلغاً أكثر أو أقل من السعر المتّفق عليه، كوسيلة من وسائل الشطارة والدعابة، لكنّه سرعان ما يكشف “الضرب” عبر تلمّسه العملة وتعرّفه بالمبلغ الذي بين يديه ببساطة.
فاطمة شابة تعمّدت اختباره، فقد أعطته ورقة نقدية من فئة “عشرة آلاف ليرة” وورقتين من فئة “ألف ليرة”، وادعت أنها أعطته ثلاثة آلاف ليرة (وهو ثمن صبّ المفتاح)، إلاّ أنه عرِفَ المقصود، وقال لها: “بعد إلك بذمّتي تسعة آلاف ليرة”. فقامت وأقسمت يمين بـ“أنّه يرى من تحت النظّارة، لكنّه عم يعمل أفلام”.
أحلام خضر كثيرة، قد يتعب يوماً من مهنته الحالية، قد نجده يتعلم مهارة جديدة بعد عام أو عامين، ولكنه يؤكد أنه يعشق صب المفاتيح وأنه ربما لن يهجر هذا العمل أبداً.
خضر لا يعرف كيف يشرح “سرّه”، لكنه يؤكد أن الطموح والعزيمة هما مفتاح النجاح، ويبدو، وهو يتكلم، قادراً على قهر كل الصعاب.