أمل طفيلي
الزمان: بين الثاني عشر من تموز والرابع عشر من آب. أما المكان، فيتسع ليضم قرى الجنوب التي أمطرتها الطائرات الاسرائيلية بالقنابل. هذا عنوان كل الرسوم التي نفذها تلامذة مدرسة زفتا الرسمية في الجنوب.
“بطل اللوحة” في بعض الرسوم هو الطفل الجنوبي، سواء أكان شهيداً من قانا أو النبطية أو النميرية أم ناجياً من المجازر، أما الجزء الآخر من المعرض فهو أشبه بمخزن صغير للأسلحة: لوحات صورت مجموعة من القطع الحربية المتنوعة. طائرات ودبابات، وحتى قنابل عنقودية، جميعها ملونة بالالوان الزاهية، إلا أن الاسود وجد طريقه الى اجزاء منها.
فاطمة محمد، تلميذة الصف الثاني، اختارت عناصر اللوحة كالآتي: الطفل والبيت والطائرة. وتقول إن “الولد يركض، لأنه خائف من الطائرة التي تريد أن تقصفه”. هل تخافين من القصف؟ تومئ الطفلة برأسها الصغير إيجاباً. فهي لا تحب الحرب لكنها “مع المقاومة”.
هادي دحيوي رسم صاروخاً كبيراً بحجم الورقة. وقال لمعلمته شارحاً، إنه سيطلق “هذا الصاروخ على اسرائيل لأنهم يقصفوننا”. ولا يعرف الصغير بما يجيب حين يسأل لماذا ينتابه الخوف وقد توقف القصف.
في أعلى المعرض، لوحة مملوءة بالدبابات الصغيرة، جميعها ملونة بالاصفر، وقد جمع فيها صاحبها “معاني المقاومة” كما يقول أصدقاؤه. الى جانب هذه اللوحة، ثانية صورت علم المقاومة، وفي وسطه سلاح حربي اسود كبير. وهنا، مجموعة من القنابل الصغيرة تبدو لنا عنقودية رسمها محمد الذي يبلغ من العمر 8 سنوات ويؤكد أنه رآها “على التلفزيون وأيضاً على الصورة المعلقة في الملعب”.
المعلمة هدى شهاب قالت: “مع بداية العام الدراسي، طلبنا من تلامذتنا أن يقدموا رسماً حراً لمساعدتهم على التعبير بالرسم عما لا يعبرون عنه بالكلام” ولفتت إلى “أن الخوف والرغبة في المقاومة سمتان جليتان في رسوم هؤلاء الاطفال”.
حديث الأطفال عن رسومهم يفضي بالضرورة إلى الكلام عن ذكريات العدوان والتهجير. البعض قال إنه ذهب “الى الجبل” (أي إلى قرية في جبل لبنان)، أما البعض الآخر فلم يترك الجنوب، وثمة من شهد المجزرة التي ارتكبت في الشياح في الضاحية الجنوبية. هؤلاء حين نسألهم هل يخافون من الحرب يجيبون بدون تردد “كلا لا نخاف”.
“حالة من الهلع والصراخ تعم المدرسة مع كل طلعة جوية اسرائيلية جديدة. الصغار يبكون، يضعون اصابعهم في آذانهم، يطلبون العودة الى منازلهم، ولشدة الخوف تحصل أحياناً حالات من التبوّل اللاإرادي في صفوف الصغار. فنعمل جاهدين على طمأنتهم، وتهدئة روعهم، تمهيداً لمتابعة الدروس كالمعتاد”. هكذا وصف رضى حمزة مدير المدرسة، حال تلامذة مدرسته عندما تخترق الطائرات الاسرائيلية سماء الجنوب اللبناني، كل طائرة تذكّر الصغار بالألم الذي اختبروه لمدة 33 يوماً. قد يكون في كلام مدير المدرسة تفسير لما جاء في المعرض، الطائرات تذكر الأطفال بالعدوان فينسون ألعابهم وأمانيهم ويرسمون مخاوفهم.