مهى زراقطيقف ابن الضاحية الجنوبية على ركام المبنى الذي كان يقيم فيه، ويصرّ على القول أمام كاميرا التلفزيون، بسخرية: “أنا أقف على الطابق العاشر... حيث كان بيتي”. هي “نكتة” وليدة اللحظة أطلقها ابن الضاحية الجنوبية الواقف على مأساته. لكنها لم تكن النكتة الاولى في هذه الحرب، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرةوكانت أولى هذه النكات عن التدمير الهائل الذي لحق بالضاحية وبدء الإعلان عن “أسعار خيالية لشقق مطلة على البحر”. الدمار نفسه لحق بالجسور، وهنا تجلّت الإبداعات التي تخفي النقمة على الموقف العربي ولا سيما السعودي. تسأل النكتة:

ــ لماذا ترغب السعودية في إعادة بناء الجسور بسرعة؟
ــ لكي تجد إسرائيل ما تدمره بعدما فرغ بنك أهدافها.
استنفاد بنك الأهداف يدفع إلى البحث عن الجسور “المخفية” التي طالما تغنّى بها الرحابنة بصوت فيروز “على جسر اللوزية”. فتسأل نكتة أخرى: هل علمتم بأن أولمرت اتصل بالمطربة الكبيرة فيروز؟
لماذا؟ لكي ترشده إلى مكان جسر اللوزية.
لا تكاد تنهي ضحكتك حتى تأتي التكملة:
لقد عاد واتصل بها في اليوم التالي.
ــ لماذا؟
ــ لكي ترشده إلى طريق النحل. يبدو أنها الطريق السرية التي يسلكها المقاومون.
النقمة على الموقف العربي تجلّت أيضاً مع وصول وزراء الخارجية العرب إلى لبنان لعقد اجتماع فيه. وكان اللبنانيون سباقين إلى توقع توصياته فسارعوا إلى إرسالها عبر الرسائل الهاتفية القصيرة: “إذا قصفتم منزل هيفا، فسوف نقصف مدينة حيفا”.
تطاول النكات في العادة المناطق والطوائف، بحيث تتفوق كل طائفة بصفة تجعلها بطلاً دائماً لها، منها مثلاّ صفة “الأكثر إنجاباً” للشيعة، التي أُضيفت إليها الآن صفة الطائفة الأكثر ثقافة، ذلك “لأنهم يأتون إلى المدرسة حتى في فصل الصيف”. وفي الإطار ذاته يتوقع بعضهم أن يفوز الأمين العام لـ“حزب الله” السيد حسن نصر الله بجائزة نوبل للآداب... لماذا؟
ــ لأنه أدخل كل الشيعة إلى المدارس.
تستفزّ هذه النكتة مناصري المقاومة ونصر الله الذين يردّون عليها بالتذكير بمواقف الرافضين للمقاومة ومنهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي “بقي يسأل إلى أين؟ إلى أين؟ حتى أجابه نصر الله: إلى حيفا وإلى ما بعد حيفا”، أو برضى “طانطات” الأشرفية عن نصر الله لأنه أعادهن 20 عاماً إلى الوراء فلم يعدن بحاجة إلى عمليات الشد وشفط الدهون.
لم يُعرف عن اللبناني أنه صاحب نكتة إلا بعد الحرب. الحرية التي كان يتمتع بها لم تجعله بحاجة إلى مهرب كالنكتة لينفّس عن معاناته. فالنكتة تنشأ، حسب علماء الاجتماع، خلال الأزمات. وهي تطوّرت بدءاً بشوشو “المهذب” ثم مع زياد الرحباني الذي سمّى الأشياء بأسمائها، وانتشرت مع مسارح الشونسونييه والبرامج الكوميدية الساخرة.
لكن ليست كل النكات دليل عجز، إذ تصلنا نكتة (غير سوداء) من المصريين الفرحين بانتصارات المقاومة: “طلب جيش الدفاع الإسرائيلي من جنوده ألا يتوجهوا إلى الجبهة من دون أولياء أمورهم لأنه لن يكون مسؤولاً عن حياتهم إذا اختطفهم رجال المقاومة”.