في إنجاز مهمّ وغير مسبوق، أعلنت الإدارة الأميركية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، أمس الإثنين، عن هبوط مسبارها «إنسايت» على كوكب المريخ بعد رحلة في الفضاء استغرقت حوالي سبعة أشهر. ففي أيار (مايو) الماضي، انطلق المسبار لدراسة الطبيعة الصخرية لباطن كوكب المريخ، وقطع منذ ذلك الحين مسافة بلغت أكثر من 300 مليون ميل وبسرعة 6200 ميل في الساعة.تهدف رحلة «إنسايت» إلى دراسة العمق الداخلي لهذا العالم مما يجعل المريخ الكوكب الوحيد، بعد الأرض، الذي يخضع للدراسة والاستكشاف بهذه الطريقة. انفصل المسبار عن الصاروخ الذي حمله إلى المريخ وهبط على السطح في تمام الساعة 7:53 مساء بتوقيت غرينتش، فيما ظلّت حالة القلق في المحطة الأرضية مستمرّة حتى أرسل المسبار تحديثات عن هبوطه بسلام.
ورصدت عدسات المصوّرين القائمين على المهمّة في مختبر الدفع النفاث في كاليفورنيا (JPL)، وهم يتنفسون الصعداء، ويهتفون بسعادة عندما تأكدوا من هبوط «إنسايت» بسلام. في هذا السياق، احتفل المدير العام لـ «ناسا»، جيمس بريدينستين، بما سمّاه «يوماً رائعاً». ونقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» عن مدير المختبر، مايك واتكينز، قوله إنّ هذا النجاح يجب أن يُذكر الجميع بأنّه «لكي نطبق العلوم يجب أن نكون جريئين وعلينا أن نكون مستكشفين».

استقر Insight حالياً على سهل منبسط واسع يعرف باسم Elysium Planitia، بالقرب من خط إستواء الكوكب الأحمر، إذ جاءت أوّل صورة عن هذه النقطة سريعاً وفي غضون دقائق من هبوط المسبار، وكانت تغطي المساحة المحيطة به، على أن تحمل الأيّام المقبلة لقطات أكثر وأفضل دقة.
مثل جميع محاولات الهبوط السابقة على المريخ، كانت رحلة «إنسايت» مضطربة، مثل المحاولة الأولى التي جرت عام 2012، حيث كان المسبار يرسل بيانات عن تقدّمه نحو السطح في كل مرحلة وفي كل متر نحو الأمام.
ولفتت «ناسا» إلى أنّ «إنسايت» دخل الغلاف الجوي بشكل أسرع من الرصاصة عالية السرعة، مستخدماً مزيجاً من درع الحرارة، والمظلة، والصواريخ العاكسة للوصول إلى عملية هبوط لطيفة، مؤكدةً أنّه يستطيع البقاء على سطح المريخ القاسي من خلال نشر الألواح الشمسية، التي تم طيّها أثناء الهبوط، والتي ستعمل على إمداده بالطاقة، لتشغيل أنظمته وتسخين المعدات في درجات حرارة التجمد على الكوكب الأحمر. وبعد التأكد من انتهاء كل هذه المخاوف، ستبدأ «ناسا» التفكير في المهمة العلمية للمسبار.
*ما الجديد؟
أما الجديد في مهمّة «إنسايت»، فهي أنّها ستكون الأولى لتكريس الأبحاث لفهم المناطق الداخلية للمريخ. ويريد العلماء معرفة كيف نشأ هذا الكوكب بداية من القلب والنواة الداخلية وحتى القشرة الخارجية. وسيقوم المسبار بثلاث تجارب رئيسية لتحقيق هذا الهدف. الأولى عبارة عن مجموعة من أجهزة قياس الزلازل الفرنسية البريطانية التي سترفع إلى السطح للاستماع إلى «الهزات على المريخ»، على أن تكشف هذه الاهتزازات أين تكون طبقات الصخور وتكوينها وعناصرها.
وسيخترق نظام «مول» الألماني حوالي 5 أمتار في الأرض ليقيس درجة الحرارة، وهو ما سيكشف كيفية حدوث النشاط داخل كوكب المريخ. التجربة الثالثة، ستستخدم إشارات الراديو لتحدد بدقة كيف يتمايل الكوكب على محوره.
في إطار وصفها لما يجري، تشير عالمة المشروع سوزان سمريكار إلى أنّ الأمر شبيه بأخذ «بيضة نيئة وأخرى مطبوخة وتدويرهما حول محورهما، فكلتاهما ستتمايل بشكل مختلف بسبب توزيع السائل في الداخل»، مضيفة: «اليوم لا ندري حقيقة أنّ لب المريخ سائل أو صلب، وحجم هذا اللب، وهو ما سيقدمه لنا Insight».

*ما الفائدة؟
يدرك العلماء جيّداً مما يتكوّن باطن الأرض وكيف تكوّن، ولديهم بعض النماذج الجيدة لوصف نشوء هذه البنية في ولادة النظام الشمسي قبل أكثر من 4.5 مليار سنة. تمثّل الأرض مصدراً واحداً للبيانات، لكن المريخ سيمثل مصدراً آخر للباحثين حول كيفية تجميع كوكب صخري وتطوّره عبر الزمن.
هنا، يقول بروس بانيرت، كبير العلماء العاملين في مشروع «إنسايت»، إنّ «التفاصيل الدقيقة لكيفية تطور الكواكب هي ما نعتقد أنه يصنع الفرق بين مكان مثل الأرض وكوكب الزهرة، حيث يحترق الإنسان في ثوان، ومكان أخر مثل المريخ حيث هناك التجمد حتى الموت».