وقع ارتداء الممثلة المصرية رانيا يوسف، فستاناً يكشف قليلاً من مؤخرتها كالصاعقة على معظم المصريين. أحدث الفستان ضجّة في اليومين الماضيين، أدت إلى إدانة الممثلة بـ«خدش الحياء العام» و«التحريض على الفسق والفجور»، وبيان استنكار من نقابة المهن التمثيلية لـ«ما يمثله الفستان من مسّ في ثوابت وقيم المجتمع»، إضافةً إلى شجب وتفجّع الكثير من المصريين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. «أزمة» الفستان الذي رضخت يوسف بعد الانتقادات الكثيرة واعتذرت عن ارتدائه، أعطت دفعاً جديداً لنقاش لا يخفت في مصر أصلاً حول حرية النساء وحقهنّ في ممارسة أبسط الأمور اليومية، مثل ارتداء ما يردن من دون أن يقمن حساباً لـ«بلدي وحبايبي والمجتمع والناس»، ومن دون أن يشكّل ما يرتدينه ذريعةً للمتحرّشين والمعتدين في الشارع كما هو الحال في بلدٍ صُنّف أخطرَ مكان للمرأة في العالم عام 2017.
إلى جانب نقاش الحريات والتزمّت الذي أثارته هذه «القضية»، وعلى سيرة المؤخرات، يمكن الاستفادة من هذه الحادثة للإشارة إلى قضية أكبر مرتبطة ببروز المؤخرات النسائية كعنصر جذب مهم في السنوات الأخيرة، حتى أصبح امتلاك مؤخرة بمعايير معينة «ترند» جمالياً مهيمناً، مع ما يعكس ذلك من دلالات لعلاقة المرأة بجسدها والتأثيرات الاجتماعية والثقافية لذلك.

رانيا يوسف في مهرجان القاهرة السينمائي(أ ف ب )


تشهد الأعمال الفنية منذ العصر الإغريقي والروماني على مكانة المؤخرة كعنصر جاذب في جسد المرأة. التمثال الروماني Venus Callipyge (فينوس ذات المؤخرة الجميلة) أحد الأدلة على ذلك، وهو تمثال يعتقد أنه مأخوذ عن آخر إغريقي لنظيرة فينوس، إلهة الحب والجمال الإغريقية أفروديت. وبالطبع، هناك آلاف الأعمال الفنية التي تركّز على هذا الجزء من الجسد الأنثوي العاري، بمعزل عن الخوض في نقاش «نظرة الرجل» (Male gaze) التي طغت على الفنون تاريخياً، والتي تجعل المرأة، في غالب الأحيان، خاضعة لرؤية الرجل ومقاربته حصراً.
وبالطبع، ضمّ العقدان الماضيان نماذج لافتة في الثقافة الشعبية لفنانات اعتنين بمؤخراتهنّ (جنيفر لوبيز، شاكيرا). وعلى الصعيد المحلي، لا يمكن إغفال اللازمة البضان التي انتشرت عن «الانحطاط» الثقافي في العالم العربي، والتي نقلها الكاتب حازم صاغية في كتابه «نانسي ليست كارل ماركس» (رابط)، وهي: «مؤخّرة نانسي عجرم أصبحت أهمّ من مقدّمة ابن خلدون»، قبل أن يعقّب صاغية في الكتاب نفسه، بالقول: «من قوس قُزح عريض جدّاً يمتدّ بينهما (المقدمة والمؤخرة)، تتشكّل الحياة وتُحرز معناها».
غير أن السنوات الأخيرة، شهدت «صعوداً» أكبر للمؤخرات الممتلئة تحديداً كعنصر جاذب في جسد المرأة طغى على غيره من الأجزاء، حتى باتت عمليات تكبير المؤخرات في السنوات الثلاث الماضية، قطاعاً أساسياً في عمليات التجميل حول العالم. صحيفة «ذي غارديان» البريطانية (رابط) نشرت قبل أسبوعين، تقريراً عن هذا الموضوع، يوضح نمو هذا القطاع والاهتمام النسائي بهذا النوع من العمليات التي ارتفعت بنسبة 30% منذ عام 2014، بحسب الجمعية الدولية لعلميات التجميل.

جنيفر لوبيز (من الويب)()


يشير تقرير «غارديان» إلى أنّ هوس الموضة الذي يسود في كل عقد، لديه دلالاته الاجتماعية والسياسية. فمثلما طغى نموذج الصدور الممسوحة الصبيانية لدى النساء في عشرينيات القرن الماضي، كان دلالة على التحرر من المشدّات، ومثلما أصبحت عضلات المرأة مستحبة في الثمانينيات كنموذج للقوة والصلابة، لا بدّ للهوس بالمؤخرة الممتلئة أن يقول لنا شيئاً عن وقتنا الراهن.
عوضاً عن النحالة القصوى، بات ينصبّ ضغط الميديا على الفتيات اليوم، كي يظهرن بشكلٍ مغرٍ، مع ما يعنيه ذلك مع انحناءات وتدويرات ضرورية. تقول كاتبة التقرير: «كل واحدة تريد أن تبدو مثل كيم كارداشيان، وليس مثل كايت موس. يردن انحناءات لا عظاماً». وفيما يلفت التقرير إلى أن هذا الاهتمام بدا «كتطور إيجابي» لكونه يمثل ابتعاداً عن اضطرابات الأكل (التي تعاني منها الكثير من المراهقات والشابات حول العالم بهدف الحصول على الجسد الهزيل المثالي)، إلّا أن ذلك لم يدم طويلاً. فالمؤخرة الممتلئة لن تحقّق الهدف المرجو من دون خصر نحيل، وهنا تكمن المهمة الصعبة. «ففي حين يمكنك فيه تجويع نفسك كي تصبح عظاماً، إن الوصول إلى الجسد المغري أصعب من ذلك بكثير».
ينقل التقرير عن فتاة في بداية العشرينيات قولها إن «جيلي مهتم بنسبة 100% بشكل المؤخرات أكثر من الصدور، على الأرجح ذلك بسبب أننا نرى مشاهير كثيرات يظهرنها على انستغرام. اليوم نمتلك التكنولوجيا، يمكننا أن نغيّر أجسادنا لننسجم مع الترند، وليس فقط أن نغيّر ما نلبس».
في حديثٍ إلى الصحيفة، قالت سوزي أورباخ، معالجة نفسية تعمل على تحليل علاقة النساء بأجسادهن منذ أكثر من 40 عاماً، إنه «يجري ربط المؤخرات الكبيرة بالنساء صاحبات المواقف والتاثير، ولا سيما من غير النساء البيض». تقول الكاتبة إن هناك «أيقنة» (fetishisation) لأجساد النساء السوداوات البشرة واللاتينيات. وللمفارقة، تؤرخ الكاتبة بداية هذه الترند بالصورة الشهيرة لكيم كارداشيان (عام 2014) على غلاف مجلة «بايبر» من تصوير جان بول غود، المأخوذة بدورها عن صورة للمصور نفسه لعارضة الأزياء، السوداء البشرة، كارولينا بومنت 1976. منذ ذلك العام، تحوّل التركيز على المؤخرات حين تنامت حُقن شد المؤخرة وزرعها، لتصبح أكثر عمليات التجميل ارتفاعاً في الولايات المتحدة، بنسبة 58% منذ 2012. كذلك، إن المعايير الجمالية المثالية لممثلات البورنوغرافيا، أصبحت ضمن السائد (Mainstream). من هنا، جاء انفجار قطاع في الجراحات وعمليات التجميل، بالتزامن مع دخول منتجات جديدة السوق مثل المراهم والبناطيل الضيقة لرفع المؤخرة.
وعلى الرغم من اعتبار مؤيدي النظر بإيجابية للجسد هذه الترند خطوة نحو قبول أكبر بتعددية الأجساد، طرحت المعالجة النفسية سؤالاً أساسياً في هذا المجال: «هل يمكن اعتبار أي ترند له علاقة بالأجساد أمراً جيداً أصلاً؟»، مضيفةً أن «ما يبدو أنه إعادة دمج لنساء استثنين سابقاً، هو استثناء لنساء أخريات». «النساء لن يكنّ قَطّ مرتاحات في أجسادهن، لأن الهدف من ما هو مقبول يبقى متغيّراً. نحن مدعوّات كي نظلّ في حرب مستمرة مع أنفسنا».


حالياً، تُعَدّ عمليات تكبير المؤخرات وشدّها قطاعاً اقتصادياً كبيراً. وكانت الجمعية الأميركية لعمليات التجميل قد أطلقت على سنة 2015 «سنة الخلفية».
وقد شهد العالم عام 2015 نحو 320 ألف عملية تكبير أو شدّ للمؤخرة، بحسب الجمعية نفسها، أي زيادة بنسبة 30% في العمليات مقارنة بعام 2014.
غير أنّ معدلات الخطورة في هذا النوع من العمليات اتضح أنه عالٍ جداً. فلدى عمليات الشد البرازيلي أكبر نسبة وفيات (1من 3000 عملية) من بين كل عمليات التجميل، بسبب خطر حقن الدهن في شرايين عريضة يمكنها أن تنتقل إلى القلب والدماغ. في آب/ أغسطن الماضي، اتهم جراح تجميل برازيلي يدعى «د. بامبام» على انستغرام، بمقتل واحدة من مرضاه. وتوفيت أيضاً 33 امرأة في الولايات المتحدة بعد تعقيدات جراء عمليات الشد البرازيلي خلال آخر خمس سنوات. كذلك، ماتت امرأة بريطانية بعد سنة من عملية شدّ المؤخرة البرازيلي.