أتى ناجي معلوف، بالتزامن مع الزّمن الذهبي للمسرح في لبنان. بدأ عمله في أواخر ستينيّات القرن الماضي، منحدراً من عائلة ذوّاقة للفن، والموسيقى والشعر. فكان بيت «الحنين» أشبه بصالون ثقافي، وملتقى فني. تخرّج في مطلع السبعينيّات من الجامعة اللبنانية، في معهد الفنون الجميلة (قسم المسرح). تتلمذ على يد المخرج اللبناني الراحل أنطوان ريمي. وفي عام 1996، قال كلمته الشهيرة: «باي باي مسرح» وفق ما يذكر في إحدى مقابلاته التلفزيونية. هجر الخشبة، كأنّه نفّذ عصياناً. يذكر المسرحي اللّبناني الشهير فائق حميصي، أحد أقرب أصدقائه، أنّ معلوف كان مسؤولاً عن المسرح التربوي، وأسهم في لجنة إعداد «منهج مادة المسرح» في المركز التربوي عام 1997. لم تقف إسهاماته عند هذا الحدّ، بل كان مدرّساً أكاديميّاً، في عدد من الجامعات بما فيها الجامعة اللبنانية. كان ضليعاً في تعليم «فن الكتابة المسرحية»، و«التمثيل». شغله الشاغل تكريس المبادئ العامة للمسرح، من دراسة الشخصية، وتقنيّات الممثّل الأساسية. حوّل صفوفه إلى ورشة فكر وتساؤلات عن الوجود، والواقع، وكينونة الإنسان. حمل الإنسان، في فلسفة عقائدية خاصة به، وكرّس حياته لها. مشكلة المسرح اللبناني، برأيه، كانت ولا تزال «الفقر». إذ لا يُمكن العمل في الشّأن المسرحي، من دون إنتاج ودعم، وتكريس ثقافة الحضور الجماهيري في الصالات. لكن «المسرح اللبناني غاب عن الوعي».
من أبرز المسرحيات التي شارك فيها كتابة أو تمثيلاً: «وصية كلب» (إخراج لطيفة ملتقى)، وغيرها. كما لعب دوره كمخرج في مسرحيات عديدة منها: «لعب الفأر»، «جورج الخامس»، «فُقرا بفُقرا»، و«كرمال المحروس». أما أحد أبرز الأعمال المسرحية التي شارك فيها، وكانت علامة مضيئة في مسيرته المهنيّة، فكانت مسرحية «كذلك على الأرض»، التي مثّلت لبنان في «المهرجان الفرنكوفوني» في الكيبيك، في كندا عام 1974. يستذكر حميصي، معلوف البارع على الخشبة، الذي تمّ إقصاؤه عن التمثيل، «ولم نرَ نصوصه المكثّفة، على الشاشة، لأنّهم فضّلوا تلاميذ عليه». ويُضيف حميصي: «رحل غاضباً، لكنه لم يحن رأسه».
على صعيد الدراما التلفزيونية، كانت أفكاره غزيرة. المحطة البارزة في حياته «عشرة عبيد صغار» الذي أشرف على إعداده رائدا المسرح اللبناني، أنطوان ولطيفة ملتقى. يقول معلوف في حياته، إنّ المسلسل الذي شارك فيه، ردم هوة في الدراما التلفزيونية التي كانت تقدم بالفصحى العربية. سعى معلوف جاهداً لتحويل السيناريو إلى لغة محكيّة، ولاقت خطوته صدى عربياً يومها. أما مسلسل «قصص حب»، فكان نقلة نوعية أيضاً على صعيد الشاشة الصغيرة. اختار معلوف يومها، تبديل الممثّلين في كلّ حلقة، ومعالجة حبكة درامية مختلفة في كل حلقة تبث على تلفزيون لبنان. كرّس إذاً، خبراته في صياغة السرديات الشعبية، والقصص، والأفكار، بلغة محكيّة قريبة إلى المشاهد. حتى إن أعماله الشعرية قدّمها باللّغة نفسها. حوالى 450 قصيدة ودواوين شعرية لم يرَ بعضها النورَ بعد. «شوية حنين» كانت القصيدة الأقرب إلى قلبه. «قلّة قرأت شِعري... لمين بدي اطبع». هذا ما كان يقوله في جلساته. لم يعتد تقديم شعره بالإطار الكلاسيكي للأمسيات الشعرية، بل غنّت آمال طنب أشعاره في الأمسيات البقاعية. «مش مسموح، جروح الروح، تعبر إلا بالهمس». عبر ناجي معلوف إلى مكان بعيد، استراح بعد حياة مثقلة بالخيبات، والنجاحات، على حد سواء.