مات النائب اللبناني المنتخب في عام 1972 عثمان الدنا. عمّر إلى مئة سنة. مات من دون ضجيج أو ضوضاء أو ميراث، لكنّ جريدة «النهار» جعلت منه سياسياً بارزاً لأنّه تحوّل نحو اليمين الكتائبي عندما كان ذلك نادراً عند ساسة لبنان المسلمين. هو مسلم أحبّه الطائفيّون المسيحيّون، كما يحبّ العنصريّون البيض هنا السود الذين يذمّون سوداً آخرين. كان على الإعلام اليميني أن يحتفي به أكثر. رحلة عثمان الدنا جديرة بالتأمّل. فقد كان ناصريّاً متعصّباً في الستينيّات، وكان شهابيّاً متحمّساً. وهناك صورة لفؤاد شهاب محمولاً على كتفيه يوم خرج شهاب بمسرحيّة الاستقالة في عام 1960 وصاح الشهابيّون: «لا تتركنا في بحر هائج». ما كان يمكن لعثمان الدنا أن يصعد من دون دعم المكتب الثاني الذي فضّله على خصمه صائب سلام. لم يكن هناك مَنْ يتفوّق على سلام في «الحرتقات» و«الحيل القذرة» (كما يسمّونها هنا) في الساحة البيروتيّة. مفاتيح صائب سلام الانتخابية أطلقوا شعار «عثمان الدنا، صبّاطٌ لنا». لم يعرف سلام حدوداً في حروبه. كان خصمه عبدالله اليافي دائم الامتعاض لأنّ خُلقه منعه من مجاراة سلام في الحروب الانتخابيّة (يذكّر وضع اليافي بوضع سليم الحص في مواجهة رفيق الحريري). طرح الدنا نفسه ناصريّاً شهابياً في مواجهة سلام، وحرص على تعليق صوره مع عبد الناصر.انتقل الدنا إلى بيروت الشرقيّة في مطلع الحرب. طلّق بيروت الغربيّة وكل شعاراته السابقة. أصبح كتائبياً متعصّباً، وكان معجباً ببشير الجميّل. ويُقال إنّ بشير وعده برئاسة الحكومة (بشير وعد الدنا وسليمان العلي وعليا الصلح ولبيب أبو ظهر برئاسة الحكومة). انتهت حياة عثمان الدنا السياسيّة في بيروت الشرقيّة. مات حلمه في تحقيق جمهوريّة كتائبيّة. وعندما عزّى وفد بيروتي صغير برئاسة فاروق شهاب الدين (مفتاح انتخابي لسلام) بتنصيب بشير، ثار أهل بيروت. وُجد شهاب الدين مقتولاً في ما بعد. صمت عثمان الدنا مذّاك.