باتت الحدائق العامة في المنطقة الحدودية في جنوب لبنان ملاذ المئات من الأهالي الذين يصعب عليهم قصد المطاعم والأماكن البعيدة بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة. أبرزها، تلك الواقعة في بلدتَيْ شقرا ومارون الرّاس (بنت جبيل)، كونهما تتسعان لمئات الزوّار ومجهزتين بملاعب وألعاب خاصة للكبار والصغار. في شقرا، ومنذ انتهاء الشتاء، يتسابق أبناء البلدة والبلدات المجاورة إلى الحديقة العامة التي ساهم الأهالي في تمويل إنشائها قبل سنوات، إضافة إلى اتحاد بلديات بنت جبيل. عصر كل يوم، يزداد عدد زوّار الحديقة من مختلف الأعمار.يُشير المشرف على الحديقة، محمد العلي، إلى أنّه يرتادها يومياً «أكثر من 500 شخص، جزء كبير منهم من خارج البلدة، فيتسابقون على حجز الخيم والمقاعد، وأماكن اللعب». تتقاضى البلدية عن كل خيمة مبلغ 50 ألف ليرة، وهو بحسب العلي «مبلغ زهيد، نطالب بزيادته لنتمكن من تأمين النظافة والمراقبة اللازمتين بعدما أصبحت البلدية غير قادرة على دفع أجور الموظفين».
من ناحيتها، تقول مريم عطوي: «نقصد يومياً حديقة شقرا وأحياناً حديقة مارون الراس، للحصول على الراحة لنا ولأطفالنا... هم يلعبون أو يسبحون، ونحن نستمتع بالطبيعة...». ويلفت أحمد حسين إلى أنّ «ما نشعر به في حدائق المنطقة العامة هو أننا أصبحنا نعيش بأمان في أكثر الأماكن التي كانت تُمنع علينا زيارتها أو الوصول إليها أثناء الاحتلال الإسرائيلي... حديقة شقرا مثلاً، تشرف على وادي السلوقي الذي كان ممرّاً للمقاومين لمواجهة العدو في مواقعه المشرفة على المنطقة... أما حديقتا مارون الراس وعيترون، فشُيّدتا على الحدود مباشرة، في أراضي كان يمنع على المزارعين الدخول إليها، لكن ما يحصل اليوم أننا نستخدم هذه الأراضي في اللهو والاستجمام ونحن نشاهد جنود العدو وهم يختبئون خلف دشمهم». يرى رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل، رضا عاشور، أنّ «معاناة الأهالي الطويلة خلال الاحتلال، دفعتنا إلى إنجاز ما يعزز صمودهم ويؤمّن راحتهم، رغم الكلفة المالية العالية، إلى أن حققنا ما نريده عبر حدائق مارون الراس، شقرا، حانين، بنت جبيل، برعشيت، عيترون وغيرها».
أما المهندس المشرف على بناء حديقة مارون الراس ورئيس بلدية شقرا ودوبيه، إسماعيل الزين، فيؤكد أنّ «نجاح حديقة مارون الرّاس شجّع البلديات على إنشاء حدائق أخرى، حتى إنّ عدد الزوار الكبير أدى إلى توسيع الحديقة، في ظلّ إنشاء ملعب رياضي كبير، ومن ثم ملعب جهادي للأطفال والشباب، وقاعة للاحتفالات والنشاطات المختلفة...».
بعدما قدّم رجال المقاومة بين أشجاره عشرات الشهداء والجرحى، أصبح اليوم وادي الحجير الذي شكّل «خط التماس» الأوّل بين قرى الشريط المحتل، سابقاً، والقرى المحرّرة، المنتزه الطبيعي الوحيد في المنطقة. تبلغ مساحة المحمية 26 كيلومتراً مربعاً، يُضاف إليها المنطقة العازلة (16 كيلومتراً مربّعاً)، واتخذت إدارتها بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل عامل خطوات عدّة مرتبطة بإخماد الحرائق وإرشاد الأهالي، وزراعة 12 ألف شجرة حرجية. علماً أنّها تضمّ أكثر من 110 أنواع من الطيور، و100 نوع من الأشجار والنباتات، و58 نوعاً من الثدييات والزواحف.