فخامة الرئيس،عندما يكون مجلس النوّاب غير منتخب بانحلاله دون انتخاب مجلس جديد محلّه أو بالتمديد لنفسه في صورة غير مشروعة لا فراغ دستوريّاً، بل نكاد نقول إنّها لَفُسْحْةٌ للناس!
فالسلطة تعود إلى الشعب بالمعنى الدستوري، أي إلى الهيئات الناخبة.

أمّا وسيلة اتّخاذ القرارات المناسبة في هذه الحالة، أي فقدان مجلس النوّاب الذي هو المؤسّسة التمثيليّة الوسيطة، فيكون عبر الاستفتاء، أي الديمقراطيّة المباشرة.
فالمطلوب، الآن، فرض قانون بذلك الاستفتاء على من يغتصب السلطة التمثيليّة تسليماً منه بالإرادة الشعبيّة. ونوع الاستفتاء المناسب في المجتمعات المركّبة هو الاستفتاء المركّب، أي الذي تكون نتيجته مأخوذاً بها في المستوى الوطني والمستوى المحلّي الذي هو القضاء.
فإذا كانت النتيجة في المستوى الوطنيّ هي إلى جانب الأخذ بالنظام النسبي أو الأكثري بأغلبيّة موصوفة يؤخذ بذلك النظام إلاّ في الأقضية التي كانت نتيجة الاستفتاء فيها مخالفة بأغلبيّة موصوفة للنظام الذي تمّ اختياره بأغلبيّة موصوفة في المستوى الوطني. وإذا لم يكنْ من أغلبيّة موصوفة في المستوى الوطني يكون لكلّ قضاء النظام الذي اختاره بأغلبيّة عاديّة أو موصوفة.
وهذا التعدّد معمول به، وهو يعزّز وحدة الدولة وليس العكس. ومعياره واحدٌ، وهو حريّة اختيار الناس لا تحكّم العصابات. وأسس الاختيار واحدة.
فالأسس السليمة مهما تكن الحاجة إلى تحسينها هي: القانون الأساسي الذي هو الدستور. المؤسّسة الدائمة التي هي الهيئات الناخبة. الوحدات الإداريّة المستقرّة التي هي الأقضية. هل نريد استنباط أحكام قانون الانتخاب لإعادة تكوين السلطة انطلاقاً من هذه الأسس الوطنيّة السليمة أم انطلاقاً من أحجام العصابات وفسادها وتبعيّتها الأجنبيّة؟
فخامة الرئيس،
التناقض واضح بين موقفك المعلن من النظام الانتخابي وبين مواقف من يأتمرون بأمرك باسم الانفتاح. وهل يصحّ الانفتاح على حساب دستور الدولة وعلى حساب شعب الدولة؟
ذلك أمرٌ خطيرٌ يهدّد اكتسابك الشرعيّة من خلال عملك بعد أْنْ فاتك اكتسابها كاملةً من خلال عمليّة انتخابك من قبل مجلس غير منتخب.
القانون الوحيد الذي يشكّل جسر عبور إلى الشرعيّة، قبل قانون الانتخاب، هو قانون استفتاء مركّب للهيئات الناخبة يأخذ في الاعتبارالأغلبيّة في المستوى الوطنيّ والأغلبيّة في مستوى الأقضية.
موضوع هذا الاستفتاء نقطة وحيدة هي النظام الانتخابيّ، على أساس أنّ الدوائر هي الأقضية.
فيكون أمامنا احتمالان: فإمّا أنْ يكون لكلّ قضاء النظام الانتخابيّ النسبيّ أو الأكثريّ الذي يختاره، وإمّا أنْ يكون النظام واحداً بنتيجة الاستفتاء المركّب كما هو مبيّنٌ أعلاه.
وفي ما عدا ذلك من هذا التهارج بين العصابات ليس سوى استهلاك فرصتك وفرصة لبنان واللبنانيّين للنجاة من الأخطار المتوقّع استمرارها وتزايدها لفترة طويلة.
نعم. المقصود من قانون الانتخاب ومن قانون الاستفتاء طريقاً إليه هو حريّة اختيار اللبنانيّين وأن يكونوا مصدر السلطات وأصحاب السيادة.
قد نكون، في المرحلة الحاليّة، مع اعتماد النسبيّة نظاماً في التمثيل السياسيّ. ولنفرض أنّ نتيجة الاستفتاء كانت اعتماد النظام الأكثري. عندها لنْ نسلّم بالنظام الأكثري وحسب، بل سيكون تسليمنا بنظام لا نختاره تسليماً بنظام يتمتّع بنوع من الشرعيّة.
والأمر نفسه إذا كانت نتيجة الاستفتاء تقضي بالأخذ بالنظام النسبيّ بالنسبة إلى من يختار النظام الأكثريّ.
الهدف إذا ليس الاختيار الشعبيّ للنظام وحسب، بل هو أساساً إرساء الحكم بنتيجة إعادة تكوين السلطة على أساس من الشرعيّة ولو كانت محدودة بظرف لا نجده يتيح أفضل الخيارات من وجهة نظرنا.
المركز المدنيّ للمبادرة الوطنيّة