الطقس الرّبيعي في بيروت يضفي دفئاً على حديقة الشربين والسّرو في مبنى السّفارة الروسية في كورنيش المزرعة. نزعت الشتول عنها عبء الشتاء والبرد، لترسم حياةً في المبنى الأثري بالورود وأوراق الأشجار الملوّنة.
أمّا السفير ألكسندر زاسبيكين، فهو، كعادته، يبتسم دائماً، ويتفاءل بانفراج الأزمات في سوريا ولبنان رغم مؤشّرات المواجهة المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأميركية، من مطار الشعيرات إلى البلقان وأوكرانيا وأوروبا.
الحديث عن سوريا عند الدبلوماسيين الروس يتقدّم على ما عداه. يبدأ السّفير من تطوّرات المشهد الجنوبي السوري والحدود العراقية ــــ السورية، وعزم الأميركيين على فرض أمر واقع على الأرض تحت عنوان «المناطق الآمنة»، في ما يراه محاولةً للسيطرة على أكبر قدرٍ من الجغرافيا السورية عبر دعم جماعات محليّة تحلّ مكان «داعش»، وتجميعاً للأوراق قبل الدخول في مفاوضات سياسية. بالنسبة إلى السفير، ما كان كلاماً متأرجحاً في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تحوّل إلى التنفيذ في عهد الرئيس دونالد ترامب، و«هذا يؤكّد أن المسألة ليست مسألة أشخاص، وإنما إدارة».

العقوبات على
حزب الله تؤثّر على لبنان وكل اللبنانيين



في زيارته الأخيرة لموسكو، جلس وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع الرئيس فلاديمير بوتين ساعتين، ومع الوزير سيرغي لافروف أربع ساعات. طالب الزائر الأميركي روسيا بتغيير مواقفها في ما خصّ الأزمة السورية، وأكّدت موسكو على لسان أرفع مسؤوليها أنها جاهزة للمساعدة وترغب في حلّ سياسي للأزمة السورية، لكنّها تعبّر في مواقفها عن اقتناعاتها، والحلّ بالنسبة إليها بالحوار السوري ــ السوري، إن في أستانا أو في جنيف ووفق القانون الدولي. تفهم روسيا جيّداً ما أراده ترامب من الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات، بعدما جرى افتعال «بروباغندا اتهام» لترامب بعلاقاتٍ مع روسيا، و«هو أخذ ما أراده من الضربة في الاعتبارات الداخلية الأميركية، مع تأكيدنا أن مسألة استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي ملفّقة. لكنّنا أوضحنا أننا لا نقبل بالاعتداء على سيادة سوريا، ونحن لا نستطيع، مع تفهمنا لموقف الرئيس الأميركي، إلّا أن نأخذ موقفنا المبدئي بالدفاع عن سيادة سوريا كدولة مستقلة وعن وحدة أراضيها وسلامتها». ويضيف السّفير: «لقد اتخذنا أيضاً إلى جانب القوات السورية إجراءات ميدانية عسكرية لمنع تكرار مثل هذا العدوان». ويتقاطع كلام السفير مع ما يتردّد عن إجراءات دفاعية جديدة لتعزيز الدفاعات الجوية السورية ورفع جاهزية القوات البحرية السورية لصدّ اعتداءات محتملة من سفن أميركية أو غربية ومن صواريخ مجّنحة.
يقول الدبلوماسي الروسي الأوّل في بيروت: «ننتظر من بعض الدول في المنطقة المساهمة بإيجابية في حلّ الأزمة السورية»، ملمّحاً إلى زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الأسبوع الماضي لموسكو. لكنّ هذا لا يعني أن موسكو غائبة عن محاولات التصعيد المستمرة من قبل أميركا في سوريا، وخصوصاً في الجنوب السوري، ويؤكّد أن القوات السورية وحلفاءها الروس ليسوا في وارد السماح بتغيير المعادلات على الأرض.

القوات السورية وحلفاؤها الروس
لن يسمحوا
بتغيير المعادلات
على الأرض


الكلام عن لبنان يأتي تالياً. بالنسبة إلى روسيا، «لبنان بلد قائم على توازنات دقيقة»، و«من المهمّ أن يصل اللبنانيون إلى تفاهمات قريبة حول قانون الانتخاب العادل الذي يؤمّن تمثيل الجميع». «أنا متفائل»، يقول زاسبيكين، لأن «اللبنانيين يعون خطورة سقوط الدولة في ظلّ ما يحدث في المحيط، وجميع القوى السياسية متفقة على أن الفراغ خطير، لذلك الفراغ ممنوع في السلطة التشريعية. يجب الحفاظ على الدولة».
يؤكّد السفير الروسي أن روسيا بدورها مهتمّة برفع مستوى التعاون مع لبنان، ويعوّل خيراً على الوفد الاقتصادي اللبناني الذي يزور موسكو في هذه الأيام، مشيراً إلى أن هناك خططاً لرفع التعاون الثقافي والعلمي والاقتصادي، وطبعاً العسكري مع لبنان لـ«مواجهة الإرهاب ودعم الجيش في الدفاع عن السيادة اللبنانية».
هل تقلق روسيا من اندفاع أميركي أكبر نحو لبنان؟ يكرّر السفير أن «لبنان بلد قائم على التوازن، وليس من مصلحته أن يكون في محور ضد محور»، لكنّ «الأميركيين يستخدمون مسألة العقوبات والضغط على حزب الله لتوسيع نفوذهم في لبنان». يرى الروس أن مسألة العقوبات الأميركية على روسيا وإيران وسوريا وحزب الله أمر مخالف للقانون الدولي، و«العقوبات على روسيا وحلفائها غير ملزمة لأنها لم تأتِ من الأمم المتحدة، وهي ضغوط لنزع أوراق سياسية». بالنسبة إلى زاسبيكين، «العقوبات الأميركية تعقّد المشكلة ولا تحلّها، وهي تعاقب كل اللبنانيين ولبنان وليس فقط حزب الله أو حركة أمل».