وما يعزّز هذه الشبهة، أن هذه الصفقة ليست الأولى من نوعها بين الاثنين. ففي وقت سابق، اشترى قرطاس (تحت اسم شركة ثانية) قطعة أرض شيّد عليها مشروع «ديستريكت أس». لاحقاً، تبيّن للمساهمين أن الشمّاع أعطى قرطاس تسهيلات بالدفع تتضمن تسديد 5 في المئة من ثمن الأرض وتقسيط الباقي على 10 سنوات. واكتشف بعض المساهمين أن قرطاس استعمل حجّة سوء الأوضاع الاقتصادية والسوق العقارية، للامتناع عن سداد بعض الأقساط إلى أن تمكّن من استقطاب شريك قطري لاستكمال المشروع.
«الصفقة الأخيرة فيها كثير من الوقاحة لتتم بطريقة مكشوفة ومن دون أي اعتبار للمساهمين» يقول أحد حملة الأسهم في «سوليدير». يزيد الطين بلة أن صغار المساهمين لا يشاركون في الجمعيات العمومية ويغفلون أن بإمكانهم فرض المزيد من التغييرات بحضورهم ومشاركتهم في التصويت على القرارات وعلى الحسابات المالية. ثمة قليل من حملة الأسهم المعارضين أمثال مالك فندق ومسبح سان جورج فادي خوري الذي يكاد يكون الصوت الوحيد المعارض في الجمعيات العمومية في ظل غياب عدد كبير من صغار المساهمين. فمن اللافت أن غالبية القرارات في الجمعيات العمومية تتخذ بنحو ثلث الأصوات نتيجة عدم حضور المساهمين، وبسبب وجود نظام ينصّ على أن كل من يحمل الأسهم لأكثر من سنتين يصبح صوته مضاعفاً. بهذه الطريقة هناك مجموعة من المساهمين تتحكّم بالجمعيات العمومية وبإدارة الشركة بمجملها.
على أي حال، إن الصفقة التي نفذتها إدارة «سوليدير» مع «1371 مينا الحصن» تعدّ مثالاً عن الفساد المعشعش داخل الشركة. مسار هذه الصفقة يوضح الكثير منذ تنفيذ عملية البيع بين الطرفين إلى اليوم:
في عام 2009، باعت «سوليدير» قطعة أرض في وادي أبو جميل مساحتها 1481 متراً مربعاً لشركة «1371 ــ مينا الحصن». هذه الأخيرة لم تدفع من ثمن الأرض سوى 7 في المئة، وبقي عليها مبلغ 4.5 مليون دولار سجّل ديناً على الصحيفة العقارية.
لم تسدّد «1371 ــ مينا الحصن» أياً من الدفعات المستحقة عليها من ثمن العقار، بل آثرت الامتناع عن السداد.
طالبت الشركة المشترية بعطل وضرر بقيمة 10 ملايين دولار من «سوليدير» بحجّة الصعوبات التي واجهتها منذ شراء الأرض. هذه الصعوبات هي في غالبيتها ناتجة من سوء الأوضاع الاقتصادية وضعف السوق العقارية.
اتفق الطرفان على اللجوء إلى التحكيم بدلاً من اللجوء إلى المحكمة التجارية، ولم تمارس إدارة «سوليدير» حقّها في استرداد العقار حفاظاً على حقوق المساهمين. وعيّن كل طرف محكّم ينوب عنه. «سوليدير» عيّنت مستشارها القانوني سامي نحاس، أما 1371 مينا الحصن فقد عيّنت مُحكّماً بناء على نصيحة غالب محمصاني (عضو مجلس إدارة سوليدير)!
التحكيم انتهى إلى اتفاق بين الطرفين ينصّ على أن تدفع «سوليدير» تعويضاً بالعطل والضرر لشركة «1371 مينا الحصن» بقيمة مليوني دولار. نتيجة التحكيم غير قابلة لأي طريقة من طرق المراجعة القانونية وتعدّ بمثابة حكم مبرم.
في الأسابيع الأخيرة، وافقت إدارة «سوليدير» على شراء 21 موقف سيارة في مشروع «1371 مينا الحصن» (اسم المشروع ذا كورت يارد) بقيمة 110 آلاف دولار للموقف الواحد، وعلى شراء شقّة في المشروع مساحتها 300 متر مربع بقيمة 6700 دولار للمتر الواحد.
لا مبرّر لهذه الصفقة سوى علاقة النسب بين نمير قرطاس وناصر الشماع
هذا المسار يثير الكثير من الأسئلة: لماذا وافقت «سوليدير» على اللجوء إلى التحكيم بدلاً من التفاوض مع المشتري الذي يبدو وكأنه يحاول ابتزازها للحصول على مبالغ إضافية فوق استثماره؟ ولماذا اشترت شقّة منه؟ هل «سوليدير» تحتاج إلى شقق في وسط بيروت وهي التي تملك محفظة عقارات مبنية كبيرة ليست لديها القدرة الكافية على إدارتها وتأجيرها؟ لماذا اشترت «سوليدير» مواقف سيارات؟ هل صحيح أن سعر الشقة مبالغ فيه ومنفوخ بأكثر من 2500 دولار؟ هل صحيح أن سعر موقف السيارة في وسط بيروت لا يتجاوز 30 ألف دولار؟
صفقة بهذا الحجم والتوقيت، مثيرة للأسئلة؛ فمن أين ستسدّد «سوليدير» هذا المبلغ على رغم مراكمة الخسائر على مدى السنوات الماضية. ففي عام 2015 سجّلت الشركة خسارة صافية بقيمة 115 مليون دولار، واضطرت أن تخفض سعر المتر من 4300 دولار إلى 2945 دولاراً. كذلك، طردت الشركة من بورصة لندن، ثم سجّلت خسائر بقيمة 70 مليون دولار بسبب قيامها بعمليات في القطاع السياحي لا تندرج ضمن وظائفها المنصوص عنها قانوناً. وفي النصف الأول من عام 2017 خسرت 19 مليون دولار وهي تحاول اليوم استخدام الخدع المحاسبية للتخفيف من خسارتها الإجمالية في 2017.
عملية استيلاء منظّمة
في مطلع التسعينات، استولت «سوليدير» بقوة السلطة السياسية على منطقة وسط بيروت. الفساد بدأ بهذه الخطوة، ثم استكمل مع انطلاق عملية تخمين العقارات المستولى عليها. جرى تخمين 1630 عقاراً بقيمة 1170 مليون دولار على أساس 1532 دولاراً لمتر الأرض المربع الواحد وبمعدل 100 دولار للمتر المبني. سعر متر الأرض يومها كان يتراوح بين 2500 دولاراً و4000 دولار، أما كلفة المتر المبني فكانت يتراوح بين 300 دولار و500 دولار. كذلك، فُرض على المالكين والمستأجرين أن يخضعوا لشروط وضعتها إدارة «سوليدير» في حال رغبوا باستعادة ممتلكاتهم. توجب عليهم أن يدفعوا 10 في المئة من قيمة المباني وأن يخصصوا مبالغ طائلة للترميم بحسب دفتر شروط ومواصفات قاسية وشبه تعجيزية فرضتها الشركة، ولم يجز للمستأجرين استعادة ملكياتهم إلا إذا قام مالك العقار باسترداد ملكيته! الخيار الثاني المتاح هو تحويل الملكية إلى أسهم. سعر السهم انهار اليوم إلى مستويات لم يبلغها سابقاً، والشركة توقفت عن توزيع أنصبة أرباح.