جرت أول انتخابات لمنسقي الأقضية في التيار الوطني الحر، بعد انتخاب الوزير جبران باسيل رئيساً لحزب التيار، على أساس النسبية. تبيّن لاحقاً أن التجربة لم تكن على قدر الآمال، نتيجة توقف غالبية الهيئات عن العمل لانعدام الكيمياء بين أعضائها. لذلك، تعتمد قيادة الحزب اليوم مبدأ تعيين المنسقين، ثم تشكيل الهيئات، في مسار يراه البعض «انتهاكاً للحياة الديمقراطية»، فيما يضعه البعض الآخر في خانة «التدبير الإلزامي للنهوض بالحزب».
لم تكن تجربة منسقي الأقضية في التيار الوطني الحر الأولى بعد انتخاب أول رئيس للحزب، أي الوزير جبران باسيل، جيّدة بالمعنى العملي، وهو ما ظهر جلياً قبيل موعد الانتخابات النيابية في أيار الماضي، عندما اضطر رئيس الحزب إلى حلّ بعض الهيئات واستبدال بعض المنسقين بآخرين بغية الحدّ من الأضرار. يومها، ربط قسم من المسؤولين بين فشل عدة هيئات في مهمتها، وبين النسبية التي انتخبت هذه الهيئات على أساسها وأتت بأعضاء غير متجانسين، ما أدى إلى توقف الهيئات عن العمل بنحو شبه كامل؛ المثالان البارزان كانا في زحلة والشوف. ومن هذا المنطلق، يعللون الانتقال من انتخاب المنسقين والهيئات إلى تعيينهم، «خصوصاً أن تجربة الهيئات المنتخبة لم تكن على قدر الآمال».
انطلقت ورشة تقويم عمل المنسقين فور إعلان مركزية التيار الوطني الحر فتح باب الترشح لمن يرغب في شغل منصب منسق قضاء في كل لبنان. سرعان ما انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض: البعض يرى التعيين «قتلاً للحياة الديمقراطية والتحاقاً بقطار باقي الأحزاب التي تعتمد مبدأ التعيين من أجل إبقاء هؤلاء تحت جناح رئيس الحزب». والبعض الآخر يرى أن الانتقاد قائم إن جرت انتخابات أو حصل تعيين للمنسقين والهيئات. الدليل أن غالبية المنسقين السابقين الذين فازوا في المرة الماضية كانوا من الفريق المعارض لرئيس الحزب جبران باسيل، ومع ذلك «كانت الاتهامات جاهزة مسبقاً». لذلك، الأولوية اليوم «لنفضة جدية في الحزب تعيد الحماسة إلى الحياة الحزبية، والتغيير سيطاول الجميع من أجل الإتيان بتركيبة جديدة نشيطة، ولا سيما أن القيود السابقة «الجنرالية» والمعنوية تلاشت». والمنسق، بالمناسبة، هو وليس النائب، يكون مسؤولاً عن تطبيق النظام الحزبي في القضاء، في حين أن الهيئة مفترض أن تكون صلة الوصل بين الحزبيين والقيادة والنواب والوزراء.

المتن: عبدو لطيف مكان هشام كنج
يوم أول من أمس، أنهى باسيل ونائبه للشؤون الإدارية رومل صابر، ومنسق الأقضية في التيار منصور فاضل، اجتماعاتهم مع مختلف المرشحين من كل لبنان. فعلياً، حُسم نحو 70% من الأسماء، فيما بقيت الصورة مبهمة في بعض الأقضية ككسروان وجبيل، ولا سيما أن وضعها أدقّ من باقي المناطق. في المتن الشمالي، رسا الخيار على عضو هيئة القضاء ومنسق بلدة ضبيه عبدو لطيف، ليحلّ مكان صديقه منسّق القضاء فيها هشام كنج. هيئة كنج كانت واحدة من الهيئات الأنشط في لبنان، خصوصاً خلال الانتخابات النيابية، ويسجل لها التزامها الحياد عبر توزيع أصوات العونيين على مرشحي الحزب الثلاثة: إبراهيم كنعان والياس بو صعب وإدي معلوف. بذلك، تمكنت الهيئة من ضمان الفوز لمرشحيها الثلاثة، خلافاً لباقي الأقضية، حيث لم يحصل فوز شامل. أما المنسق الجديد عبدو لطيف، فسيكون استمراراً لنهج كنج وطريقة عمله، بطبيعة الحال.

بعبدا: مدور بدل طراف
في بعبدا، تختلف الأمور قليلاً. القضاء الذي يتحدث عنه العونيون بنوستالجيا، والذي هو مركز القصر الجمهوري وكل الأجهزة الأمنية، ويشغل فيه العونيون المقاعد المارونية الثلاثة، أتت أرقامه مخيبة للآمال. ويتحمل المسؤولية هنا منسق القضاء ربيع طراف وهيئة القضاء وهيئات المناطق. هنا تكفي مقارنة نتيجة التيار بنتيجة القوات اللبنانية التي لا نواب لها هناك لتأكيد الفشل، خصوصاً أن رؤساء البلديات الرئيسية بقوا على الحياد.
بدا واضحاً قبيل موعد الانتخابات أن النائب آلان عون هو التيار الحر وماكينته. وبدل أن يلجأ نواب القضاء، وأحدهم آلان عون، إلى ماكينة الهيئة المركزية والاستعانة بمنسقي المناطق لتسيير الأمور، ركض المنسق والهيئة وراء آلان عون. يوم أول من أمس، حسم أمر تغيير ربيع طراف لمصلحة وليد مدور، الذي يقول عنه رفاقه إنه «مناضل» وعضو في اللجنة المركزية ومقرَّب من الجميع.

الشوف: جنرال مجدداً!
التغيير طاول أيضاً هيئة الشوف التي عُينت قبيل فترة قصيرة من الانتخابات النيابية، لأن الهيئة السابقة لم تنجح في توحيد صفوفها والعمل بجدية. لكن الهيئة الجديدة آثرت الاستعانة بالهيئة القديمة، فوقعت في الحفرة مرة ثانية. المنسق الجديد لقضاء الشوف هو العميد جوزيف نصار، ويحلّ محل بدري سالم. السؤال عن نصار لا يقود إلى أي مكان، إذ لا تعرفه غالبية العونيين الشوفيين، لذلك يستغربون كيف سيشكل هيئة قضاء وهيئات مناطق. للشوف تجربتها السيئة مع العمداء المتقاعدين: «في السابق، عُيِّن عميد متقاعد منسقاً للقضاء، فصمد ثلاث ساعات قبل أن يقدم استقالته لعدم قدرته على التعامل مع متطلبات هذا الموقع وعدم تناسب شخصيته الصارمة مع ما يفترض أن يتمتع به المنسق من دبلوماسية».

زحلة ضد المرأة
أما زحلة، فتستعد لتجربة جديدة مع شبه حسم تعيين منسقة على رأس القضاء تدعى جيهان جبور التي جرت العادة سابقاً أن تنسق ما بين رئيس التيار وهيئة زحلة. قسم من الزحالنة العونيين غير متحمسين لجبور، من منطلق أنها «سيدة»، وأن «المدينة وبلداتها ما زالت تتمتع بعقلية ذكورية قديمة في ما خصّ تسلم فتاة للمسؤولية»، فيما البعض الآخر يرحب «بتعيينها» ويعتبرها «خطوة مهمة للنساء كي يتشجعن على إثبات أنفسهن في الحياة الحزبية والسياسية بعيداً عن رجعية بعض العقول». فيما مشكلة القسم الثالث أنه كان يفترض بالقيادة قبيل المبادرة إلى التغيير «حلّ المشكلات العالقة منذ الانتخابات النيابية. حينذاك، تمرّد المنسق السابق قزحيا الزوقي على قرار الحزب، وذهب بدعم ضمني من الوزير السابق غابي ليون للانضمام إلى صفوف ماكينة أسعد نكد، وتقاضى أجره على مهماته». لكن «الزوقي لم يحاسب حتى الآن، ولم نلمس نية من المركزية لمساءلته، الأمر الذي سيفتح الباب على التشبه به وتقاضي الأموال لقاء العمل ضد الحزب ما دام باستطاعته العودة إلى التيار وكأن شيئاً لم يكن». أعضاء في الهيئة كما قسم من عونيي زحلة تداعوا إلى اجتماع يوم أول من أمس، وقرروا «إبلاغ القيادة بعدم رضى القاعدة عن المشاركة بأيِّ هيئة مقبلة مع الزوقي وجماعته قبل محاسبته على مخالفته القرار الحزبي».

جزين: جورج نمر مقبول من الجميع
ومن زحلة إلى جزين التي عانت الكثير نتيجة الخلافات العشوائية بين المسؤولين فيها، وتُرجم ذلك اصطفافاً حادّاً قبيل الانتخابات النيابية. لكن يفترض اليوم أن تتقلص هذه الخلافات نتيجة تعيين عضو هيئة القضاء ورئيس لجنة العلاقات العامة في الهيئة جورج نمر. وتتفق الأطراف العونية المختلفة في الرأي على أن نمر على مسافة متساوية من الجميع، وهو قادر على أن يعيد لحم ما تصدّع في العلاقات بين الحزبيين، لأنه ناشط على الأرض وموجود دائماً في القضاء ولا مشكلات شخصية له مع أحد.
في بعلبك ـــــ الهرمل والبقاع الغربي، الطريق غير سالكة حتى الآن، والمشكلة الرئيسية هي في عدم ترشح أي كادر حزبي جدي، ويصف أحد المسؤولين الحزبيين هناك الأسماء المرشحة لمنصب المنسق بأنها «لا تسمن ولا تغني». فيما في بيروت الأولى، وقع الخيار على أحد المسؤولين في لجنة الإعلام، عماد جعارة. والأخير يُعَدّ بمثابة حلّ وسطي بين عونيي بيروت، بعد أن كان المنسق السابق محسوباً على الوزير نقولا تويني، وعلاقته متوترة بالنائب نقولا صحناوي.
عونيو زحلة يعترضون على تعيين سيدة منسقة، وعلى عدم محاسبة المنشقين


«فيتوات» جبيل
رسا الخيار النهائي في جبيل على خمسة أسماء: سيمون سعيد وأديب جبران وسامر موسى وجيسكار لحود ووائل متى. ثلاثة من الأسماء الخمسة تعوق تعيينهم المشكلات الشخصية، مع جزء لا يستهان به من الشباب الحزبي الجبيلي، وهم جيسكار لحود وسامر موسى وأديب جبران. رغم أنه منذ نحو أسبوع، كان الميزان يميل إلى مصلحة أديب جبران، عضو مجلس القضاء وشقيق رئيس مصلحة المياه جان جبران، فيما شقيقه الآخر رئيس رابطة المخاتير. النشاط العائلي جزء من الفيتو، على اعتبار أنه «لم يبقَ في الميدان إلا آل جبران». لذلك، الخيار الجدّي الذي يحوز رضى العونيين يتوزع بين سيمون سعيد ووائل متى. تدرج سعيد من الهيئات الطلابية في الجامعة اليسوعية إلى تسلُّم مسؤولية الشباب المركزي، إلى عضو حالي في هيئة القضاء ومجلس القضاء، كذلك يشغل منصب رئيس بلدية مشان بالتكليف. وهو من بين الحزبيين المنفتحين على جميع الأفرقاء، ولا مشكلات فعلية له مع أي طرف، وسيكون اختياره حلّاً دبلوماسياً لتفادي أزمة جبيلية قد تصل إلى حد تقديم استقالات في حال السير بخيار أديب جبران . أما وائل متى، فهو محامٍ وحزبي ملتزم لم يترشح يوماً لمنصب حزبي إلا اليوم، وتجمعه بالعونيين علاقة أكثر من جيدة. لكن خلال مقابلته الأخيرة مع رئيس التيار جبران باسيل، سئل إن كان سيشكل هيئته، معتمداً أعضاءً من الهيئة القديمة ووجوهاً جديدة من كل الأطياف، تطبيقاً لشعاره «التوفيق بين الجميع»، فكان أن رفض التعاون مع الهيئة القديمة ليتوتر بعدها الجو بينه وبين باسيل.
من جبيل إلى عكار، حيث طرح النائب العوني أسعد ضرغام اسم طبيب الأطفال كلود اسكندر من القبيات كبادرة حسن نية تجاه عضو المجلس السياسي في التيار جيمي جبور (وهو من بلدة القبيات) الذي يُعَدّ الناشط الأبرز للتيار في الشمال.



«عونيو شامل»... والبورصة اليومية
في كسروان، لا تزال الصورة ضبابية نتيجة الأسماء المتداولة وبفعل بعض الحزبيين المقربين من النائب شامل روكز الذين يضعون بعض «الفيتوات» على الأسماء من منطلق أنها عملت في ماكينة الحزب الداعمة للنائب الحزبي الوحيد روجيه عازار.
القصة شبه محيرة، فروكز غير الحزبي، يطالب عبر حزبيين يطلق عليهم لقب «عونيو شامل»، بمنسق وسطي لتفادي أي شرخ محتمل. ذلك بالرغم أن العميد المتقاعد لا يترك مناسبة إلا ويثبت فيها تغريده خارج سرب التيار. أما الأسماء المتداولة، فهي الآتية: الأول، عضو في بلدية العقيبة وأستاذ جامعي يدعى داني قزي. يرى كثيرون أنه «البروفيل» الأفضل لهذا المنصب، إلا أن العائق الوحيد أمامه هو «وقته الممتلئ تماماً». الثاني، إدمون الخازن، وهو ناشط سياسياً، وعلى الأرض بين الحزبيين والطلاب، ويحوز رضى كل الأطراف، كذلك سبق له أن كان عضواً في هيئة القضاء. المشكلة هنا أن الخازن استُبعِد قبل أن تجري مقابلته لأسباب يعزوها البعض إلى تأخره عن موعد المقابلة نحو ساعتين. لذلك، يعوّل حزبيون على إعادة استدعائه لحلّ المشكلة الكسروانية. الثالث، فادي باسيل، وهو من الوجوه الحزبية الملتزمة والحيادية. أما الرابع، فهو أمين سر هيئة القضاء طوني باسيل، وهو موظف في شركة النائب نعمة افرام «سانيتا». يستبعد البعض اختياره، لكونه آثر في الانتخابات الأخيرة عدم الحضور إلى ماكينة الحزب، واكتفى بالعمل ضمن ماكينة شامل روكز. فيما الخامس يدعى ألكسندر نعمة، وعمل خلال الانتخابات النيابية مستشاراً إعلامياً للنائب روجيه عازار. يشكل نعمة نموذجاً استثنائياً، إذ يتحكم مزاجه بكل قراراته، ولا يلبث أن ينزعج من أمر حتى يتقدم باستقالته فوراً، وقد سبق أن فعلها مرتين، آخرها في نيسان 2017 لأنه «لا مكان لإبداء الرأي داخل الحزب»، ليغرّد على تويتر في نيسان 2018، أي قبيل شهرين من موعد الانتخابات النيابية، تغريدة استثنائية يشتم فيها النائب شامل روكز بعبارات نابية. وحتى الآن تعلو وتهبط أسهم هذه الأسماء يومياً كالبورصة.