المواطنون الذين جابوا شوارع زغرتا أمس، واضعين الكمامات على وجوههم، فعلوها اعتراضاً على أزمة النفايات التي تُخيّم على القضاء منذ أشهر عديدة. مسيرتهم لا علاقة مباشرة لها بـ«لبنان ينتفض»، ولو أنّ كلّ الاعتراضات الشعبية اليوم تصبّ في الهدف نفسه: دفع السلطة إلى تأمين الحد الأدنى من حقوق الشعب، وتحسين معيشته اقتصادياً واجتماعياً. بعيداً عن «مسيرة النفايات» أمس، لم ينغمس قضاء زغرتا عميقاً في الانتفاضة التي انطلقت في الـ17 من تشرين الأول. محاولات خجولة لإقفال الطريق، واحتجاجات تركّزت على تخوم المدينة، نظّمها بشكل أساسي «حزب سبعة» في المنطقة، وقد انضم إليه عدد من المواطنين، قُدّروا من قبل السلطات المحلية ما بين 200 و300 شخص. أسبابٌ عديدة أدّت إلى حفاظ زغرتا على «خصوصيتها» في هذه الأزمة، بعيداً عن الاعتصامات وإقفال الطرقات وانتشار وسائل الإعلام كما حصل في بقية المناطق، ومنها الدور الأساسي الذي لعبه تيار المردة.أيام الانتفاضة الأولى، شارك حزبيون ومناصرون للتيار الذي يرأسه سليمان فرنجية في الاعتصامات. الدافعان الرئيسيان أمام تحرّكهم: دعم المطالب الاقتصادية المرفوعة، ومعارضة رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل. الجمهور الذي استُنهض، أقدم على خطوته «بدافع فردي» من دون قرار حزبي، «فشعبنا أيضاً موجوعٌ ولديه مطالب مُحقّة كلّنا معها، وفي الوقت نفسه محقونٌ من تصرفات باسيل السياسية في الفترة الماضية، وعمله على استفزاز فرنجية، أكان في الانتخابات النيابية والتحالفات التي عقدها، أم محاولاته الدائمة للتحرك في الملعب الزغرتاوي، وما يتعلق بملفّ التعيينات الإدارية»، يشرح تيار المردة. مع تقدّم الأيام، تسلّل الحذر، «وتولّد شعور بأنّ الأمور بدأت تنحرف عن مسارها». فكانت التغريدة الأولى لسليمان فرنجية: «لا تُخطئوا في التصويب وأنتم الصواب، ميّزوا بين الحقّ والباطل وأنتم أصحاب الحقّ». في الـ23 من الشهر الماضي، تطوّر موقف فرنجية لجهة حفظ حقّ الناس في التظاهر السلمي، «لكنّنا لسنا مع إقفال الطرقات وعرقلة أشغال الناس، ونؤكد الالتزام بتوجيهات الجيش اللبناني وتحديد نقاط التظاهر»، قبل أن يلتزم سياسياً مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، ويصف خطابه الأخير بأنّه «البوصلة بالاتجاه الوطني الصحيح، ومن الضروري قراءتها بمسؤولية».
في العلن، لا يدّعي تيار المردة أنّه أوعز إلى جمهوره بالتوقف عن المشاركة في الاعتصامات، وعدم الانضمام إلى جوقة شتم باسيل، ولكنّه عملياً ضبط «الشارع» بعد أن غلبت «العناوين السياسية على المطالب الاقتصادية، ووجود مؤشرات أنّ جهات ما تؤثّر في وجهة الحراك. خفنا من الفوضى»، بحسب مسؤولين فيه. النقطة الثانية هي أنّه يوجد انفصام بين «أن نكون في الحكومة ونُشارك في تظاهرات لإسقاطها، كما تصرفت أحزاب أخرى». المعيار الذي فرض على «المردة» خياره هو «العهد»، ورفض مطلب إسقاطه. يعتبر مسؤولون في تيار المردة أنّ الهجوم على «العهد هو أيضاً هجوم على التسوية الرئاسية التي بدأت بين فرنجية وسعد الحريري، قبل أن يحلّ ميشال عون مكان النائب الزغرتاوي السابق فيها، ويُنتخب هو رئيساً للجمهورية». الخلاف على الانتخابات الرئاسية بين تيارَي المردة والوطني الحرّ لم يُبدّل يوماً موقف «المردة» من أنّ «فريقنا ربح، والعهد هو لـ8 آذار، لذلك لا يُمكن أن نضع أنفسنا في موقع المعارض له». القصة لا تتوقف عند رئاسة ميشال عون، فـ«العهد» يعني أيضاً حزب الله وبقية قوى الثامن من آذار، «سنبقى في الخط نفسه مع حزب الله وحركة أمل، وحماية المقاومة والتحالف معها يعلوان، بالنسبة إلينا، فوق أيّ خلاف سياسي داخلي مع التيار الوطني الحر».
شارك مرديّون في التظاهرات بداية دعماً للمطالب الاقتصادية، ومعارضةً لباسيل


يعي سليمان فرنجية أنّ «البلد يتمزق والأزمة الحالية جدية»، وهو اختار الوقوف إلى جانب العهد الرئاسي منعاً لانهياره، وبالتالي تعطيل أي إمكانية لتأثير ذلك على المقاومة. ألا تستدعي الأزمة الخطرة إذاً تواصلاً مباشراً لتوحيد الجهود، خاصة أنّ الأحداث الماضية أظهرت تمزقات داخل فريق 8 آذار، وضياعاً في كيفية التعامل مع التحركات الشعبية؟ يردّ المسؤولون بأنّ «التواصل بين تيار المردة والوطني الحرّ غير مباشر، ويتمّ من خلال قنوات قوى 8 آذار». لا يجد «المردة» نفسه معنياً بأيّ مبادرة إيجابية تجاه التيار الوطني الحر، «إذا أراد جبران باسيل التوجه إلى بنشعي، فأبوابها مفتوحة له»، إلا أنه في الوقت الراهن «يكفي أنّنا جمّدنا الشارع الذي نمون عليه. ولكن، لن نكون خطّ الدفاع عن جبران باسيل ونضع أنفسنا في مواجهة قسم كبير من الناس».