شاركت نساء الجنوب في تحرير الجنوب. ليس بتنشئة الأطفال على عقيدة المقاومة وقتال المحتل فقط، إنما بحمل السلاح أيضاً. قصص كثيرة بقيت مجهولة وجعلتهن جنديات مجهولات. ومنهن من انكشف أمرهن، فإمّا قتلن أو اعتقلن أو أبعدن من ديارهن. لم يكن العمر عائقاً. الفتيات والنساء وكبيرات السن انخرطن في المقاومة العسكرية، وأصبحن شريكات في التحرير والنصر.
فاطمة شبيب، المعروفة بأم وهيب قطيش، من بلدة حولا الجنوبية، نموذج للجنوبيات اللواتي أنجبن مقاتلين وشاركن معهم في القتال قبل أن تشاركهن الاعتقال.
وهيب وأديب وحبيب ومهيب وشبيب أبناء فاطمة الذين انضموا إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عبر «منظمة العمل الشيوعي». بعضهم كان مسؤولاً عن نقل السلاح إلى حولا المحتلة وإخفائه لتوزيعه على المقاتلين. أم وهيب كانت تشارك بالنقل والإخفاء بكتمان. يستذكر ابنها حبيب كيف استعان بها في نقل سلاح كاد يكشف أمره. «دفنت السلاح في حقل مجاور منزلنا. وبعد أيام فوجئت بفلاح يحرثها. طلبت من والدتي بأن تتدبر حيلة لتنقذ السلاح وإلا تنفجر تحت المحراث وتحصل كارثة. ركضت نحو الفلاح وهي تحمل وعاء وسكيناً كأنها تهم لـ"السليقة"، أي قطاف أعشاب برية. استطاعت بأن تغير مسار الفلاحة قبل أن تحفر التراب وتخفي السلاح في الوعاء وتنقله بعيداً». مرات عدة، استعين بأم وهيب لإخفاء ونقل السلاح. «كانت تحمل أوزاناً ثقيلة على كتفيها من دون كلل» يقول ابنها. نهاية عام 1986، عرف العملاء بدور وهيب وحبيب ومهيب وشبيب في السلاح. فيما أديب كان قد غادر المنطقة المحتلة عقب الإفراج عنه من سجن تل النحاس عام 1984، بتهمة المشاركة في عمليات المقاومة.
اقتيد الأربعة إلى معتقل الخيام، قبل أن تقتاد هي بعد أسبوعين للضغط على أبنائها للاعتراف على المجموعات المقاومة. «عذبنا العملاء قبالة بعضنا البعض للضغط علينا. لكننا صمدنا بالرغم من التعذيب القاسي». يستعيد حبيب تلك الفترة بغصة ودهشة. «لو عاد بي الزمن، لكنت اعترفت عن كل السلاح في الدنيا، على أن أشاهد أمي تضرب أمامي». لكن أقسى ما مر مع الأشقاء «سماع والدتهم تشدو بصوتها المتهدج عتابا لأبنائها، كل باسمه، فيما نحن في الزنازين الإفرداية الملصقة لزنزانة الأسيرات».

داخل المعتقل، لم يخف وهج أمومة أم وهيب (كانت في عمر 44 عاماً حينذاك). صارت أماً للأسيرات، تحميهن من الجلادات والمحققات وتبدد عليهن ظلام السجن.
أفرج عن أم وهيب بعد أشهر بعملية تبادل لأسيرات الخيام عام 1987 بين العدو الإسرائيلي وحزب الله. حينذاك، عرض عليها العملاء بأن تغادر الحزام الأمني لأن ابنها أديب ينتظرها. وبالرغم من أنها لم تشاهده منذ ثلاث سنوات، رفضت ترك منزلها في حولا، صارخة بهم: «بديش شوف ابني». أفرج عن أبنائها تباعاً بعمليات تبادل، أوصلتهم إلى المنطقة المحررة وأبعدتهم خارج الحزام الأمني. الإحتلال باعد بين الأم وأبنائها 12 عاماً على الأقل.
«في يوم التحرير، سابقنا الريح للوصول إلى حولا أنا وأشقائي. لم نأبه لشيء سوى لشمها بعد طول فراق».