بدءاً من أمس الاثنين، لم يعد يُسمح لطلاب الجامعة الأميركية في بيروت بالدخول إلى حرم الجامعة واستئناف عامهم الدراسي ما لم يكونوا قد تلقوا جرعة واحدة على الأقل من لقاح «كورونا». بذلك، تكون «AUB» الجامعة الوحيدة في لبنان التي تبنت فرض اللقاحات على طلابها. قد يبدو هذا القرار مناسباً في ظل الانتشار المتجدد لفيروس «كورونا»، إلا أنه يحمل في طياته شكوكاً عن دواعي وضرورة هذا الإجراء.
ليس الحديث هنا عن فعالية اللقاحات وسلامتها، بل عن كونها إلزامية. على سبيل المثال، ذهبت الجامعة اللبنانية الأميركية «LAU» إلى إلزام مَن آثر عدم أخذ اللقاح بإجراء فحص «PCR» أسبوعياً على نفقته الخاصة. وعلى نطاق أوسع، تشترط حوالي 829 جامعة أميركية اللقاح للعام الدراسي الجديد (أغلبها في الولايات التي اختارت جو بايدن في الانتخابات الرئيسية الأخيرة) فيما يغيب ذلك عن الجامعات البريطانية والألمانية حتى اليوم. ومن أهم أسباب هذا الخلاف هو استمرار كون اللقاحات بحكم التجريبية حتى اليوم، وأنها تعود بنفع أعلى لكبار السن الذين هم اكثر عرضة.

ولكن قد يُبرّر للجامعات التي اشترطت اللقاحات تخوّفُها من المتحوّرات الجديدة، كمثل «دلتا» الذي لم تعد الجرعة الثانية من اللقاح كفيلةً بمنع الإصابة به كما يظهر ذلك بوضوح في الولايات المتحدة وبريطانيا وفلسطين المحتلة، علماً أنها ما زالت تحمي من العوارض الشديدة للمرض. إضافة إلى ذلك، قد تكون الموجة المقبلة من انتشار الفيروس في الشتاء مشابهة لتلك التي شوهدت العام الماضي وانتهت بإقفال تام في أغلب البلدان ومنها لبنان.

ومع ذلك، من الغريب أن تعمد إدارة الأميركية إلى قرار كهذا في ظل فشل صحي شامل في السيطرة على انتشار الفيروس خارج جدران الجامعة، أي أن التلقيح لن يكون كافياً لمنع ظهور المتحوّرات أو استيرادها. كما أن تهديد «كورونا» المتجدّد بإرهاق المستشفيات يوشك أن يكون معدوماً في ظل الطامّات المهولة التي تفتك تدريجياً باستمرارية هذا القطاع في لبنان، ومنها مستشفى الجامعة الأميركية نفسها والذي أوشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة منذ أسبوعين بسبب فقدان مادة الوقود. ذلك مع العلم أن استحصال اللقاح لدى الأكثر عرضة، أي كبار السن والطواقم الطبية، جديرٌ بأن يخفّف هاجس الاستنزاف الاستشفائي جراء «كورونا» حتى وإن ارتفعت الإصابات مجتمعياً.

وأمّا القول بأن تحصين الطلاب عبر اللقاح دليل على أولوية السلامة الصحية للجامعة، فإننا نستبعد صحة هذا الادعاء. على سبيل المثال، لم تنبّه حملة التلقيح في الجامعة إلى عارض نادر لالتهاب عضلة القلب لمن تلقى لقاح «فايزر» من الرجال دون الخامسة والعشرين من العمر، في حين أنها نبهت إلى عوارض نادرة أخرى مثل الحساسية المفرطة وأنه على النساء الحوامل استشارة طبيبهم الخاص، علماً أن عارض التهاب عضلة القلب النادر مدرج من قبل مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركي (CDC). كما أن اللجوء إلى إلزامية اللقاحات ينطوي ضمناً على إقرار الجامعة بأن أي محفزات أو زيادة في التوعية عن أهمية التلقيح لن تجدي نفعاً، مع أن ذلك هو المعوَّل الأساس للجامعات التي لم تفرض اللقاح محلياً وعالمياً. في المقابل، من المحتمل أن تشكل البيئة الجامعية بانعزالها النسبي، حافزاً كافياً لإجراء دراسات حول فعالية وسلامة اللقاحات على هذه الفئة العمرية في لبنان، خصوصاً مع إمكانية توافر المعطيات الصحية للطلاب.

في الختام، لعل توافر اللقاحات وحده كان سيغني عن الحاجة إلى اشتراطه، لاقتناع أغلب اللبنانيين، ومنهم طلاب الأميركية، بضرورة أخذه لحماية أنفسهم وتسهيلاً لإجراءات السفر. أمّا قرار الإلزام، فهو أمر يثير التساؤلات بين الجامعة كمرجعية صحية وبين طلابها.