نبدأ بالقول إنه لا قيامة لبلد إلاّ بحكم القانون ولا استقرار إلاّ بقضاء عادل ومستقل.سيادة حكم القانون يعني تطبيقه من أعلى رتبة وظيفية في الدولة إلى أدناها، وفي حال عدم تطبيقه ستكون الفوضى في أقسى صورها، بحيث تنعكس على البلاد والعباد، وتسود شريعة الغاب. ويمكن تعريفها بأنها كل الأفعال والارتكابات التي نشاهدها قائمة في بلدنا اليوم، حيث وصل إلى ما وصل إليه من انهيار، ما يستدعي التغيير والإنقاذ لكل نواحي الحياة من دون استثناء. وهذا دور جيل الشباب في كل آن وأوان حيث يستدعي منهم هذا الدور التمسك بالدستور الذي هو المنظم الأساسي لحركة سير الدولة، والذي يعكس الصورة الحقيقية التي تعبر عن رغبة الشعب في إدارة شؤونه.

أرشيف (مروان طحطح)

أكد الدستور اللبناني بشكل واضح لا لبس فيه على استقلال السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، أي فصلها وعدم تداخلها، وطغيان سلطة على أخرى بشتى الطرق والأساليب.
على الدولة أن تكفل هذه الاستقلالية لتستطيع السلطة القضائية أن تصدر حكمها في القضايا المعروضة عليها من دون تحيّز، وأن تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي، وأن تتكفل بألّا تحدث أية تدخلات في هذه السلطة التي عليها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف.
من واجب كل دولة أن توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة. ولكن السلطتين التشريعية والتنفيذية لا تراعيان هذا الأمر عند إعداد موازنة الدولة، بحيث لا تصل موازنة وزارة العدل إلى نسبة (1%) من الموازنة العامة، ما يؤثر تأثيراً مباشراً على سير العمل لضعف الإمكانيات. ومن هنا يبدأ تطبيق النيات السيئة تجاه السلطة القضائية لمنعها من أداء مهامها بطريقة سليمة، ويتزامن ذلك مع الامتناع عن إصدار قانون يضمن استقلاليتها وما نشاهده من مظاهر لاجتماعات لجنة الإدارة والعدل، والتي هي عبارة عن مسكنات ليس إلاّ، وكلها تؤكد على الإرادة الخبيثة لإبقاء الحال على ما هي عليه.
إن في استقلال القضاء الإداري والمالي وحمايته وصيانته خلاصاً ونهضة للجمهورية، وإن توفير التوازن في وجودها وتكوينها وتنفيذ مهماتها يشكل ضرورة دستورية ووطنية. ومن هنا صراعنا مع كل الذين تعاقبوا على السلطة الذين يرفضون تحقيق هذه الاستقلالية، ويشعرون بأنه إذا صدر قانون استقلال السلطة القضائية الموجود في الأدراج منذ الاستقلال، سيصبح هؤلاء المسؤولون عاجزين عن العبث بمقدرات البلاد، وهم الآن بعيدون من المحاسبة والمساءلة.
لنوحّد الجهود جميعاً لإصدار هذا القانون فهو عنوان الخلاص والإنقاذ الوطني، مع الانتباه الشديد إلى محاولات تفريغ القانون من مبادئ ومعاني الاستقلالية في التعيينات والتشكيلات، وتكوين مجلس القضاء الأعلى وسوى ذلك.

* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب