الإجابات على هذه الأسئلة قد لا تهم اليائسين من القضاء والمشككين في عدالته. فبالنسبة لهؤلاء لم يقم القضاة بواجباتهم ولم تصدر عنهم قرارات وأحكام عادلة حتى قبل بداية انهيار قيمة رواتبهم.
لكن هل هناك بالنسبة لهؤلاء بديل عن القضاء والمحاكم لإصدار الإدانة أو التبرئة في القضايا الجنائية؟
ان مراقبة ما تبثه التلفزيونات والاذاعات وقراءة ما تنشره الصحف يدل الى أن أبرز من يسعى للعب دور القضاة، منذ ما قبل اعتكافهم، هم اعلاميون وكتاب صحافيون تمكنوا من جمع معلومات يفترض ان تبقى سرية من ملفات التحقيق. وكنا قد نشرنا رسماً توضيحياً عرضنا فيه الفرق بين التحقيق القضائي والتحقيق الصحافي (القوس العدد الأول، 8 كانون الثاني 2022).
وبما ان معظم وسائل الاعلام في لبنان منحازة الى اطراف سياسية، فلا شك في ان حسم الإدانة أو التبرئة في القضايا الجنائية عبر التلفزيونات والصحف ووسائل التواصل الالكتروني تخضع لحسابات لا علاقة لها بالعدل والانصاف.
علماً انه مهما بلغت نزاهة الصحافي ومهنيته وأخلاقه، وحتى لو كانت الوسيلة الإعلامية التي ينتمي اليها موضوعية وموثوقة، لا يمكنه ان يحسم الإدانة أو التبرئة. إذ ان ذلك يتطلب اتباع تسلسل إجراءات تضمن الوصول الى العدالة، واهمها الاستقلالية والسرية والرقابة القضائية. كما ان المحاكم التي يترأسها القضاة يفترض ان تحفظ حقوق جميع افرقاء القضية استناداً الى ما ينص عليه قانون أصول المحاكمات. ولا يفترض ان تسعى المحكمة الى التشهير بالمتهم بل عليها ان تقدم له كل التسهيلات المتاحة للدفاع عن نفسه وعن مصالحه.
للاعلام المسؤول وظائف بالغة الأهمية ودور ثقافي واجتماعي وسياسي. ولا يفترض ان ينتحل الاعلام صفة المحكمة، كما لا يفترض ان ينتحل الصحافي صفة القاضي في ظل اعتكاف القضاة.