بدأ موسم الحرائق، مبكراً، في منطقتَي بنت جبيل ومرجعيون هذا العام، ففي الوقت الذي تبدأ فيه بعض المناطق مشوارها مع الحرائق اليوم، سجلت المنطقتان الجنوبيتان حتى اللحظة 50 حريقاً ولا يزال «الحبل على الجرار». التوقعات بالزيادة «مرتفعة»، يقول مسؤول مركز طوارئ برعشيت، جعفر مشلب، وقد تتخطى بمعدلاتها الأعوام السابقة. والأسباب هنا ليست محصورة بارتفاع درجات الحرارة فقط، وإنما تضاف عوامل أخرى زادت من الطين بلة، وتأتي في مقدمها الأزمة الاقتصادية التي «أدّت إلى ارتفاع منسوب الحرائق لسبب أن المزارعين والأهالي يعمدون اليوم إلى حرق الأعشاب في حقولهم لعدم قدرتهم على دفع أجور العمال لتنظيفها»، بحسب مشلب. وهو السبب نفسه الذي جعل البلديات تسير على الخطى نفسها، إذ «تلجأ إلى إشعال الحرائق في مكبات النفايات لعجزها عن عن دفع كلفة تدوير النفايات وأجور العمال». أما الأخطر من ذلك، فهو تعمّد البعض افتعال الحرائق على مقربة من الأحراج أو داخلها «للاستفادة من الحطب للتدفئة، وخصوصاً مع ارتفاع سعر مازوت التدفئة».تعدّ تلك الأسباب نتيجة طبيعية لاندلاع الحرائق، يحسم مشلب. وهي التي أسهمت في السنوات الماضية في القضاء على آلاف الأشجار الحرجية. ويمكن أن يكون سيناريو محمية وادي الحجير هو المثال الأبرز، حيث اندلع فيه حريق كبير في عام 2019 قضى على ما يقرب من ألف شجرة حرجية. وقد دفع هذا الأمر بإدارة المحمية، بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل عامل، إلى اتخاذ تدابير عملية للتخفيف من الحرائق ومنع انتشارها. وفي هذا السياق، يتطرق مدير المحمية، حسن زراقط، إلى هذه التدابير، مشيراً إلى «أننا عملنا على تسيير دوريات لمنع الأهالي من إشعال الحرائق، وقمنا بتشحيل الأشجار وفرم الأعشاب قبل يباسها، إضافة إلى تفعيل الإنذار المبكر، من خلال وضع نقاط مراقبة، واستحداث مركز للدفاع المدني داخل المحمية وتجهيزه بسيارات إطفاء وفريق من المتطوعين المدربين الذين يتناوبون على الخدمة طوال فصل الصيف». وقد استكملت تلك الإجراءات بـ«بإنشاء خزّانات مياه كبيرة على تلال المحمية لإمداد سيارات الإطفاء بالمياه عند الحاجة». ولعلّ ما خفّف من الخسائر في تلك البقعة هو وجود «مركز طوارئ برعشيت» المجهز بمعدات متطورة ودقيقة والذي يضمّ فوجاً للإطفاء مدرباً على كيفية التعامل مع الحرائق. ويشير رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل، رضا عاشور، إلى أن الفريق في المركز «أطفأ العام الماضي ما يزيد على 500 حريق، بالتعاون والتنسيق مع البلديات والفرق المتطوعة في المنطقة»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن الاتحاد «يعمد إلى تأهيل فريق من المتطوعين في كل بلدة من بلداته بشكل دوري للمساعدة في إطفاء الحرائق، بعد تزويده بمعدّات صغيرة تؤمن الحاجة».
أما بالنسبة إلى المناطق البعيدة عن نطاق عمل مركز برعشيت، فقد استُحدِث مركز مساعد في مدينة بنت جبيل لتغطيتها، كما أنشئت خزانات في أكثر من بلدة لتأمين المياه لسيارات الإطفاء. وبرغم ذلك، ثمة جانب من الصعوبة يعزّز من فرضيات امتداد الحريق في حال حصوله، ولا سيما «في الأماكن المزروعة بالألغام والتي سرقت منها الأسلاك الشائكة التي تحدد مناطق الخطر»، يتابع مشلب، لافتاً إلى أن «هذه الأفعال تمنع تحديد الأراضي التي تحتوي على الألغام، وتعرّض فرق العمل للخطر». يضاف إلى ذلك «أزمة التيار الكهربائي التي أدّت إلى شحّ مصادر المياه، عدا عن السرقة التي طالت بعض خزانات المياه الخاصة بإطفاء الحرائق».
على الجانب الآخر، يلفت مسؤول العمل البلدي في الجنوب، علي الزين، إلى أن «العمل البلدي أنشأ خلية أزمة لمكافحة الحرائق في المنطقة وغرفة عمليات مشتركة مركزها مدينة صور، وقد التزمت بها كل البلديات بحسب قدراتها لمنع حصول الحرائق». وقد استتبع ذلك ببعض القرارات التي تسهم في التخفيف من الحرائق، ومنها «إنشاء 13 مكباً في أماكن معزولة وبعيدة عن البساتين والأحراج منعاً لانتشار الحرائق، كما أنشأنا هذا العام 15 مأخذاً للمياه، والعام الماضي 25 مأخذاً والتي تؤمن المياه الفورية لسيارات الإطفاء، إضافة الى شراء عدد من سيارات الإطفاء، وأكثر من 100 جهاز صغير لرش المياه عند اندلاع الحرائق في الأماكن الوعرة».

توسّع الغطاء الأخضر بعد حرب تموز
بعد مرور سنوات على حرب تموز، نشأت أربع محميات طبيعية في المنطقة الحدودية: الحجير ورامية وكفرا وبيت ليف. غير أن محميّة الحجير لاقت الجزء الأكبر من الاهتمام بسبب تصنيفها كثاني أكبر محميّة بريّة في لبنان، إذ تبلغ مساحتها 26 كيلومتراً مربعاً، تضاف إليها المنطقة العازلة بمساحة 15 كيلومتراً مربعاً، فيما يمتد الغطاء الحرجي في المحمية على مساحة 16 كيلومتراً مربعاً ويضمّ ما يزيد على 100 ألف شجرة حرجية. ويضاف إلى المحميات الأربع عمل البلديات على زيادة «الغطاء الأخضر». فعلى سبيل المثال، زرع اتحاد بلديات جبل عامل، ما بين عام 2011 وعام 2020، ما يقرب من 220 ألف شجرة، من بينها 75 ألف شجرة حرجية و62 ألف شجرة زيتون. كذلك زرعت بلدية الطيبة حوالي 200 ألف شجرة، بالتعاون مع الجهات المانحة، بحسب رئيس البلدية عباس ذياب الذي لفت أيضاً إلى أن «البلدية بعد حرب تموز أنشأت محميتين صغيرتين في البلدة وزرعت 6 آلاف شجرة خروب تؤمن للبلدية إنتاجاً يوزع على الأهالي».
دخلت أزمة الكهرباء عاملاً مساعداً في الحرائق، إذ أدّت إلى شحّ مصادر المياه في بعض المناطق


غير أن هذه المساحات لم تبق على حالها، لا في الحجير ولا في المحميات الأخرى، حيث تتعرض للاعتداءات المتكررة من قبل التجار الذين يعمدون إلى قطع الأشجار وبيعها حطباً للأهالي، حسب ما يقول بعض سكان المناطق هناك. ويذكر الأهالي مثلاً أن حرج بيت ليف المكسوّ بأشجار الصنوبر والسنديان تعرّض ولا يزال للإبادة، حيث «يعمل تجار الحطب على قطع الأشجار في ساعات الصباح الأولى وأثناء العواصف ويضعون الحطب في سيارات مقفلة ويبيعونه في أماكن مختلفة»، يقول بعض جيران المحمية.



مركز برعشيت للطوارئ: المواجهة في أوّلها
يعدّ مركز طوارئ برعشيت العلامة الفارقة في منطقة الجنوب، فخلال ثماني سنواتٍ من العمل، استطاع المركز أن يسهم في التخفيف من امتداد الحرائق التي تندلع في فترات الصيف الحار.
شيّد المركز عام 2008 بهبة مقدمة من الصندوق الكويتي، فيما تكفّل اتحاد بلديات بنت جبيل مع الهيئة الصحية الإسلامية بتجهيزه بكامل المعدات. وقد بلغت كلفته الإجمالية ما يقارب 3 ملايين دولار، التزم الصندوق الكويتي بتغطية 2,5 مليون دولار من ضمن الهبة المخصّصة لإعادة الإعمار بعد عدوان 2006، وكانت الانطلاقة في عام 2013.
ويتضمّن اليوم آليات لإطفاء الحرائق والصيانة العامة والإنقاذ في حالات الكوارث. كما يضم فوجاً للإطفاء مؤلفاً من 30 متطوعاً يتناوبون بشكل دوري على الخدمة «وهم على جهوزية كاملة في الصيف، وتوسّع دورهم لتغطية كل الحرائق والحوادث في أكثر من منطقة، يختم رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل رضا عاشور.