بالنسبة للدولار الجمركي، فإن تعديل سعر الصرف، وبالتالي نشرة الأسعار التي يصدرها مصرف لبنان وعلى أساسها يتم تسعير السلع المستوردة، سيعدّل الرسوم الجمركية بشكل تلقائي بما يعفي المسؤولين من البحث عن آلية إقراره وتحمّل وزره. الخليل قدّم أمس في تصريحه لرويترز ثم في بيانه الأول، هذه الخدمة للجميع.
عملياً، سيتم وضع الدولار الجمركي على سكّة التنفيذ بسعر يوازي 15 ألف ليرة. صحيح أنه جرى ربط إقراره بتمويل زيادة رواتب القطاع العام، إلا أن السبب الرئيسي هو جذب الواردات إلى الخزينة المفلسة. وصحيح أنه يتم التقليل من أهمية النتائج التي سيتركها الدولار الجمركي على الاستهلاك والتضخم، إلا أن المخاوف ما زالت قائمة في ظل عدم وجود خطّة للتصحيح واضحة وتحدّد الأهداف مسبقاً ومنسّقة ومتناسقة.
في دراسة سابقة لوزير المال حول الدولار الجمركي، تبيّن له أن «لا تأثير مباشر لها على المستهلك باعتبار أن 65% من السلع الواردة معفاة من الرسوم الجمركية، ونحو 40% منها معفى من رسم الـ3%، ما يبقي أثر تطبيق الدولار الجمركي منخفضاً».
إذاً من أين ستأتي الإيرادات التي ارتفعت إلى حدّ 29 ألف مليار ليرة؟ من جيوب المستهلكين، أي المواطنين الذين سيدفعون الفاتورة بمفردهم ويتحملون عبء ضريبة إضافية تضاف إلى التضخم وجنون الأسعار. ويأتي ذلك بالتوازي مع «جشع» التجار الذين سبق لهم أن رفعوا الأسعار منذ أكثر من عام ونصف (عهد حكومة حسان دياب) عندما أرسل مدير الواردات في وزارة المال لؤي الحاج شحادة إلى المدير العام للمالية بالإنابة جورج المعراوي (تشرين الأول 2020) رسالة يطلب فيها احتساب الدولار الجمركي على سعر الصرف في السوق الموازية. ورفعوها مرّة أخرى عندما ناقشت حكومة ميقاتي الدولار الجمركي في تموز الماضي، ثم مرّة ثالثة عندما وجّه ميقاتي كتاباً إلى وزير المال بزيادة الرسم بناء على اقتراح الوزير في الاجتماع الوزاري الذي سبق... عملياً، كلما كانت تفوح رائحة زيادة الدولار الجمركي، كان التجّار يعمدون إلى أمرين: زيادة الأسعار حتى لا تتآكل أرباحهم، وزيادة تخزين السلع المستوردة والتي سدّدت رسومها على أساس دولار جمركي بقيمة 1507 ليرات.
الاحتكارات التجارية لديها قدرات واسعة، ولديها نفوذ واسع بين قوى السلطة. لذا، لا تخاف ولا تقلق من أن زيادة كهذه ستُدفع من جيوب المستهلك. رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس يقرّ بذلك، مشيراً إلى أنه بمجرد الحديث عن زيادة الرسم الجمركي، استغلّ التجار الفرصة لاستيراد البضائع قبل تطبيق القرار. ويؤكد أيضاً أن «الضحية الأولى والوحيدة هي المستهلك. فعلى سبيل المثال، التاجر الذي كانت كلفة سلعته دولاراً واحداً وأصبحت 10 دولارات، سيضيفها تلقائياً على المستهلك». إذاً، لماذا لا يُفرض على التاجر الاقتطاع من أرباحه لمصلحة الحفاظ على السعر حماية للمستهلك؟ الأمر متاح له، فلمَ سيقوم بذلك طالما أن السلطة تسمح له بهذا الأمر!
المستهلك سيدفع فاتورة الدولار الجمركي من جيبه والتاجر لن يخفض أرباحه
على أي حال، يقول الشماس، إن الرسم الضريبي سيصيب كل السلع، حتى تلك المعفاة من الدولار الجمركي، ربطاً ببنية الأكلاف والأسعار التي تؤثّر في أي خدمة حتى لو كانت غير مستوردة ولا تُدفع بالدولار الفريش وفي حال لم يتم التحييد عن المواد الأولية المرتبطة بالصناعة. فإذا ارتفعت أسعار 40% من السلع ستنسحب حكماً على بقية السلع». كذلك يبشّر باستفحال الأسعار أكثر «قيمة الدولار الجمركي المحدّدة اليوم على أساس 15 ألف ليرة لبنانية لمدّة 3 أشهر سترتفع تدريجاً لتتناسب مع ما يطلبه صندوق النقد عبر ربطها بمنصّة صيرفة. هونيك الصريخ» يقول الشماس. ماذا عن الاستهلاك؟ «تقدير الإيرادات لن يطابق التوقعات الحكومية لأن الطلب على السلع سينخفض والكميات المستوردة ستنخفض حكماً». يكرّر: «التاجر سيخسر بسبب تراجع القدرة الشرائية وبالتالي الطلب على سلعه، وبشكل رئيسي بسبب توسّع رقعة الاقتصاد الأسود». ففرض ضرائب على بعض السلع سينشط حكماً سوق التهريب ليبحث المواطن عن السلعة المهربة لا تلك المستقدمة بالطرق الشرعية.