كما أن التحقيقات التي أجريت مع عدد من الموقوفين بيّنت وجود فروقات ضخمة في «التسعير». إذ إن ثمة عائلات دفعت بين 1500 دولار و2000 دولار «على الرأس»، أمّنتها من بيع حاجياتها الخاصة وأثاثها المنزلي، فيما وصلت كلفة تسفير بعض الأشخاص إلى ستة آلاف دولار للشخص الواحد، خصوصاً من غير اللبنانيين. ولم يتبيّن بحسب التحقيقات وجود قوائم أسماء لهم في طرابلس أو أي مناطق شمالية أخرى، باستثناء قلة تبين أنها قدمت إلى طرابلس قبل فترات قصيرة من تسيير الرحلات. ويشير ذلك إلى تحوّل طرابلس «محطة انتظار» للمهاجرين غير الشرعيين، وإلى أن الربح الأساسي الذي تجنيه العصابات يأتي من «المهاجرين الغرباء» الذين تجري تغطيتهم بالاستعانة بـ«مهاجرين محليين».
ومعروف أن قادة المهربين الرئيسيين الذين تعرف الأجهزة الأمنية أسماءهم وهوياتهم، وغالبيتهم من قادة المحاور السابقين، لا يزالون طليقين، فيما اقتصرت التوقيفات على صغار المتورطين. وقسم كبير من هؤلاء كان يعمل سابقاً في مجال التهريب عبر البر، قبل أن يشبكوا خيوطاً مع مهربين بحريين، ما يفتح القضية على جوانب أخطر تتمثل في الخشية من إمكان استخدام عناصر إرهابية قناة التهريب البحري للوصول إلى أوروبا.
شكوك أثارتها الكلفة المرتفعة للرحلات والتي تقع خارج متناول فقراء الشمال
وبحسب قاضٍ يعمل على الملف، فإن ما يزيد الشكوك في احتمال استفادة إرهابيين من التهريب في البحر، هو المبالغ الطائلة التي يتم دفعها في هذه الرحلات، إضافة إلى أن كبار المهربين من قادة المحاور السابقين كانوا ينسّقون في مراحل سابقة مع مجموعات متطرفة في الداخل السوري، ومنهم من عمل في تهريب العناصر والحاجيات من لبنان إلى سوريا خلال سنوات الأزمة السورية.
ويؤكد القاضي لـ«الأخبار» أن التحقيقات مع عدد من الموقوفين الحاليين بيّنت وجود عدد كبير من الأجانب، من بينهم سوريون «من المناطق الساخنة» وفلسطينيون وعراقيون. كما تحدّثوا عن شراء خطوط في البحر، وعن أوقات محددة لانطلاق الرحلات، وعن شبكات واسعة باتت تتمدد كالفطر متجاوزة الشمال نحو مناطق أخرى. على أن كشف الارتباط بين كل هذه المعطيات لن يكون ممكناً من دون توقيف كبار المهربين، وهو ما يعيقه - فضلاً عن تجاهل الأجهزة - ارتباطاتهم السياسية، الأمر الذي يزيد من الشكوك.