«لدينا انخفاض في كل أنواع الجرائم (..) الجرائم تراجعت في عام 2022، وهي أقل مما كانت عليه خلال عام 2021، ما عدا موضوع تفلّت إطلاق النار في طرابلس والشمال»، قال وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي بعد ترؤسه اجتماع مجلس الأمن المركزي الأربعاء الفائت. هذا الكلام قد يكون كفيلاً بطمأنة المواطنين، خصوصاً آلاف الزوار القادمين إلى لبنان لتمضية الأعياد ولقاء عائلاتهم والأصدقاء. لكن لا بد من التوضيح بأن كلام الوزير يتعلق بالحوادث التي:• بُلغت القوى الأمنية عنها.
• عَلمت القوى الأمنية بحصولها.
• فُتح محضر تحقيق بشأنها.

(أنجل بوليغان ــ المكسيك)

أما الحوادث التي لم تُبلّغ القوى الأمنية بحصولها ولم تعلم بها، أو تلك التي علمت بها لكن لم يُفتح محضر تحقيق بشأنها، فلا يمكن للوزير احتسابها. وبالتالي، يتناول كلام المولوي الجهود التي تبذلها القوى الأمنية بالنسبة للحوادث التي تقع في مختلف المناطق اللبنانية، ولا يمكن أن يكون قياساً لتطوّر نسب الجريمة في لبنان. ولا شك أن الوزير/القاضي يعلم قبل غيره بأن الحادث يمكن أن يتبيّن لاحقاً، من خلال توسّع القضاء في التحقيق، أنه ليس جرمياً.
كما لا بد من التذكير بأن هناك عدداً من جرائم السرقة أو التحرش أو الاغتصاب أو حتى التهديد بالسلاح، لا يتم تبليغ القوى الأمنية بحصولها. فقد لا تبلّغ فتاة تعرضت لمحاولة اغتصاب عن الأمر للقوى الأمنية بسبب الخوف من المتحرّش، خصوصاً إذا كان لديه نفوذ، أو بسبب خشيتها من العيب الاجتماعي ومن تحميلها مسؤولية ما تعرّضت له، أو لتجنّب الثأر. ومن يتعرض للسرقة قد لا يبلّغ القوى الأمنية بوقوعها بسبب عدم ثقته بقدرتها على استعادة المسروقات. وقد يتردد من يتعرّض للتهديد بقوة السلاح في إبلاغ القوى الأمنية بالأمر. أما بالنسبة للأسباب المتعلقة بعدم تدوين أو عدم فتح محضر تحقيق بشأن بعض الحوادث التي تبلّغت قوى الأمن عنها أو الجرائم المشهودة، فقد تشمل النقص في الموارد أو التمنّع عن القيام بالواجبات أو تدخلات في عمل الشرطة. ويستدعي ذلك تفعيل المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي والأمن العسكري التابع لفرع المعلومات.
لا تقل فعالية قوى الأمن والقضاء في مكافحة الجرائم عن فعالية المجتمع والعائلة والمدرسة


صحيح أن وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، نجحوا بالتنسيق مع الجيش وبمؤازرته في الحفاظ على مستوى جيّد من الاستقرار الأمني، غير أن للمجتمع دوراً محورياً في مكافحة الجريمة. فعمل البوليس والعسكر والقضاء لا يكفي. ولا تقل فعالية قوى الأمن والقضاء في مكافحة الجرائم عن فعالية المجتمع والعائلة والمدرسة. ولا شك أن الاتكال على قوى الأمن والجيش وحتى القضاء في لبنان لا يكفي، ولا بد من إيلاء الاهتمام الكافي بالقيم الاجتماعية والخصوصيات العائلية والبرامج التربوية لمكافحة السلوك الجنائي وضبطه وتجنّب الضلوع فيه اساساً. كما لا بد من تطوير التعاون ودواعي الثقة بين القوى الأمنية والعسكرية والأهالي في مختلف المناطق اللبنانية.
وقد يكون مفيداً التذكير أخيراً أن «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة» (الفقرة «د» من مقدمة الدستور).